نيسان

في الصف الخامس الإبتدائي , بدأ منهاج اللغة العربية يتسع لدينا , وصرنا نكتب مواضيع الإنشاء , وأتذكر أنه كان لدي دفتر خاص في الإنشاء ...اضافة اعلان

كان الأستاذ في حصة الإنشاء , يعطينا في كل مرة موضوعا واحدا للكتابة فيه لا يتغير وهو :- (صف جمال فصل الربيع عبر رحلة قمت بها مع عائلتك) ...موهبة الكتابة كانت حاضرة عندي , ولكن المشكله ليست في فصل الربيع ,المشكلة في الرحلة التي قمنا بها مع العائلة ,فهي غالبا ما تنتهي بـ (كتلة) أتلقاها من أبي ,والأسباب غالبا معروفة فإما أن تكون مرتبطة بقيامي بسكب كامل الملح على اللحم , وأحيانا العبث بالسيارة وتشغيلها ..وذات مرة لم يكن هناك سبب واضح ولكني أكلت (كتلة) .
نمط الكتابة كان واحدا ,والأهم من كل ذلك أن بداية الموضوع مرتبطة بجمال الورود وأن الأرض إكتست بالبساط الأخضر ..كنت أحب هذه الجملة وكنت أحيانا أنوع بالوصف , لم تعجبني كلمة بساط فوضعت بدلا منها (موكيت أخضر) ,وكتبت عن الفراشات الجميلة والعصافير الرائعة , وكيف أننا استنشقنا الهواء العليل , وفي نهاية الرحلة قمت بقطف مجموعة من الأزهار وأهديت أمي باقة وأهديت أبي باقة .
ذات مرة خرجت لقراءة ما كتبت أمام الطلبة , وحين وصلت للفقره التي تؤكد أنني قطفت الأزهار وأهديت باقة لأمي وباقة لأبي , ضحك الطلاب ..والاستاذ نظر لي وسألني سؤالا غريبا قال لي :- (متأكد إنك قطفت وردا واعطيت أمك وأبوك)...صمت وقلت :- ( اه) ..كنت مترددا قليلا ...ولكنه داهمني بكلام صعب قال لي :- ( إحلف إنك قطفت وردا وأنا بحطلك ميه من ميه ) ...وأنا بطبعي لم أكن ميالا للحلفان فتلقيت صفعة وجلست .
أنا أصلا في الرحلة كانت وظيفتي لم الحطب , ومطاردة القطط ...وتقديم الدعم اللوجستي وأتذكر , أني كنت العب بكرة قدم فسقطت سهوا على إبريق الشاي الذي كان موضوعا على الحطب , ...وتناثر الشاي على وجه أبي ...لحظتها لم يكن الهروب يجدي نفعا ولا حتى توسل أمي .
المشكله لم تكن في عبدالهادي , ولكنها كانت في الأستاذ الذي يمنحنا نفس الموضوع في كل حصة , وأنا لا أعرف لماذا يركز الاستاذ على الربيع ..لهذا صرت أغير في تكتيك الكتابة ..ومما اذكره , أنني قلت مرة في أحد المواضيع :- أن أبي جعلني اصعد معه إلى أعلى الجبل وقال لي إستنشق هواء الأردن العليل يا ولدي , وأنا استنشقت الهواء وقلت شكرا يا أبي لأنك جعلتني أستنشق هواء الأردن الجميل ..
يومها حدث نفس المشهد , طلب مني الاستاذ قراءة الموضوع أمام الطلبة وحين وصلت لفقرة إستنشاق الهواء , ضحك الطلبة والاستاذ ضحك وكرر نفس الجملة :- ( إحلف إنو ابوك طلب منك تستنشق هواء الاردن وبحطلك ميه من الميه ) ...هي ذاتها نفس الصفعة وفي نفس المكان أنا أصلا لا أميل للحلفان .
أول أمس وأنا أستمع لحديث الملك حول وهم الوطن البديل , وكيف أن دعاة الموضوع يبدأون في الربيع تذكرت مواضيع الأنشاء التي كنت أكتبها ,وتذكرت حجم الكذب فيها ..هم يدعون خوفهم على الأردن وأنا أدعي أيضا أني قطفت الورد وأهديته لأمي وأبي ...هم يدعون أن بلادنا ستضيع , وأنا أدعي ..أن أبي قال لي :- إستنشق هواء الأردن العليل يا ولدي ..
والمشكلة أن موضوع الإنشاء يعطيك مساحات كبيرة للكذب وتزييف الحقائق تماما مثل المقال فهو يعطيك مساحات كبيرة للبطولة وتخويف الناس .
الربيع يبدأ بنيسان , ونيسان اشتهر بأن أول يوم فيه يكون (كذبة نيسان) ...
هذا العام – وكما يقول الملك- بدأوا مبكرا ...ربما أن نيسان جاء مبكرا , أو ربما أن الكذب ما عاد مرتبطا بموسم .