السبت 2024-12-14 12:49 م
 

"هدى" .. إذ تذكرنا

03:34 ص

الكل مستعد. حالة التأهب القصوى أُعلنت، شعبيا ورسميا، بمستويات غير مسبوقة، والجميع بانتظار الثلج.اضافة اعلان

لكن، إذا كان الكل ينتظره بأمل، فإن الآمال تتفاوت حتى هنا. العسكر على الجبهتين الشمالية والشرقية متواجدون في ثكناتهم التي أصبحوا يمكثون فيها أكثر من بيوتهم خلال الأشهر الماضية، رابضين لحمايتنا من أي سوء، فلا برد ولا عواصف تجعلهم يخلون مواقعهم، على ما في صمودهم هناك من معاناة.
عين على الحد، وأخرى على إخوة لهم اضطرهم القتل والدم في بلادهم إلى هجر بيوتهم، واللجوء إلى أشقاء لهم طالما فتحوا أبوابهم وبيوتهم، على ضيقها، للترحاب بهم.
هؤلاء اللاجئون في خيامهم التي 'تُرقّصها' الريح، يتلاصقون علّهم يبثون الدفء في عروق تكاد تجف من شدة الريح وقسوة الثلج.. ويحلمون بيوم عودة إلى وطن مزقته الحروب.
وهناك السيدة العجوز التي تنظر من النافذة وهي تمسح عنها الضباب، علها تلمح أحد أبنائها قادما لغسل وجع فراقه، بعد أن تركوها حبيسة وحدتها سنوات. تراهن، مثل كل مرة، على شعورها الدافق بقدومه. لكن، ومثل كل مرة أيضاً، سيخذلها الأمل.
أحدهم يحلم لو أن لديه 'صوبة' غاز، فهي حلم بعيد المنال، يحتاج مالاً يعلم أنه لن يمتلكه يوما، رغم قلته؛ فيما أمنياته 'تقبض' على ليترات الكاز حتى لا تنفد.
آخر يذهب إلى مخابز توزع خبزا مجانيا، فيجد الأرفف فارغة. أطفاله الذي ينتظرون عودته بفارغ الصبر لم يتعلموا بعد معنى الخذلان. حين تلتقي عيناه بأعينهم ينكسر بصره مطئطئاً رأسه، ويفرك كفيه حسرة وقلة حيلة، ولسان حاله يقول: 'يا الله! ما ذنب أبرياء جلبتهم للدنيا وعجزت عن حمايتهم من عوز مزمن، وفقر لا يرحم'.
مريض لم يصمد جسده أياما ليرحمه من المكوث في المشفى، وآخر يلفظ أنفاسه الأخيرة مودعا الدنيا وهي في أبهى حلة؛ مكتسية بالبياض كعروس في ليلة زفافها، غير أنه لا يحوز من كل هذا البياض إلا الكفن.
في المقابل، يجلس أحدهم أمام الموقد يرتب أخشاباً، ويتمعن مستمتعا بمنظر النار التي تشع الدفء الباذخ عليه، بينما ذهنه متوقد بعمليات حسابية معقدة، يحصي خلالها كم عدد الاجتماعات والصفقات التي أجلها 'إكراما' للعاصفة.
أما ذاك الذي لا يشبهه في شيء، فيجلس بالقرب من صوبة كاز، يريد أن يحتضنها لكي يشعر بالدفء. عيناه غائمتان بحزن عميق، وهو يحصي الديون التي تراكمت عاصفة إثر عاصفة، ويحسب أكثر من مرة كيف سيكفيه ما تبقى في جيبه من دنانير؛ جميع السيناريوهات والخطط التي وضعها في تلك الليلة، كانت تتمحور حول 'سلفة' يقترضها من عمله، علها تكفيه غوائل بقية شهر.
الشباب المعطلون قرروا أن ينفضوا الغبار عنهم. يرتدون ملابسهم الثقيلة، ويخرجون للانقضاض على العاصفة ليفرغوا فيها كل غضبهم واحتقانهم. هم لا يقصدون 'هدى' تماما، بل الحكومات التي خذلتهم على الدوام، وتركتهم يواجهون مصير التعطل وقلة الحيلة.
بين كل هذه الصور الكئيبة، ثمة فرح وتفاؤل يختبئ في مكان ما، ينتظر من يحمله لكل هؤلاء. ولا ندري إن كانت العاصفة قد دعته لامتطائها، عله يأتي في غفلة ويمسح كل هذا الجوع، ويستبدل كل مزاجاتنا العكرة بالبهجة.
 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة