الجمعة 2024-12-13 01:22 م
 

هل الحل في "الحل" ؟؟؟

03:21 م

المحامي الدكتور ليث كمال نصراوين- ما زالت تداعيات حادثة إطلاق العيارات النارية في أورقة مجلس الأمة والتي أدت إلى فرض عقوبات نيابية غير مسبوقة بحق الأطراف المتورطة فيها تمثلت في فصل النائب طلال الشريف استنادا لأحكام المادة (90) من الدستور وتجميد عضوية النائب قصي الدميسي تلقي بظلالها على المشهد السياسي الأردني. فقد تم ربطها مؤخرا بالقرار القضائي المنتظر صدوره عن المحكمة الدستورية حول دستورية قانون الانتخاب حيث انتشرت الإشاعات والتقارير الصحفية بأن المحكمة الدستورية ستقرر إلغاء الانتخابات النيابية الأخيرة، وهو ما سيؤدي حكما إلى التخلص من مجلس النواب السابع عشر. اضافة اعلان


إن مثل هذه النداءات المتكررة لحل مجلس النواب التي تعاظمت حدتها على ضوء الحادثة الأخيرة لها ما يبررها من ناحية سياسية وشعبية، ذلك أن المجلس السابع عشر وعلى الرغم من حداثة تشكيله ومرور عدة أشهر فقط على انتخابه، إلا أن عثراته وهفواته قد كثرت وزادت سقطاته الواحدة تلو الأخرى بشكل أفقده الثقة الشعبية بقدرة المجلس الحالي على القيام بمهامه الدستورية وتحقيق عناصر التمثيل النيابي. فحتى قبل إجراء الانتخابات النيابية الأخيرة كانت الثقة الشعبية بالمجالس النيابية في تراجع وتدهور سريع، فما كان من المجلس الحالي ومن خلال الضعف العام الذي ميز أداؤه وسوء سلوك العديد من أعضائه الذي توج بفضيحة 'كلاشينكوف غيت' إلا وأن أطلق رصاصة الرحمة على المؤسسة البرلمانية الأردنية.

ومع ذلك يبقى التساؤل الدستوري الأبرز حول ما إذا الحل الأمثل لمواجهة حالة الضعف والهوان التي يمتاز بها مجلس النواب السابع عشر هو المبادرة في حله والتخلص منه سواء بقرار من المحكمة الدستورية أو بإرادة ملكية وذلك استجابة للأصوات الشعبية العالية، وما إذا كان الضرر الأكبر سيزال من خلال حل المجلس الحالي.

إن الحكمة الدستورية تقتضي ابتداء تحديد الآثار المترتبة على حل مجلس النواب والوقوف على النتائج الدستورية التي ستنجم عنه وإلى مدى سيصب ذلك القرار في مصلحة الدولة الأردنية.

إن من أهم النتائج الدستورية المترتبة على حل مجلس النواب أن تبادر الحكومة الحالية وخلال أسبوع من تاريخ الحل إلى تقديم استقالتها الخطية وذلك استنادا لأحكام الفقرة الثانية من المادة (74) المعدلة من الدستور والتي تحظر كذلك على رئيس الوزراء الحالي النسور أن يعاد تكليفه لتشكيل الحكومة القادمة. فحل مجلس النواب سينجم عنه وخلال أيام معدودة فراغ في السلطتين التشريعية والتنفيذية، آخذين بعين الاعتبار أن مجلس الأعيان سيدخل في مرحلة سبات نيابي على ضوء حل مجلس النواب، إذ ستوقف جلساته عملا بأحكام الفقرة الثانية من المادة (66) من الدستور.

ومن أهم الآثار السلبية على تغييب السلطتين التشريعية والتنفيذية في آن واحد أن يصاب الإصلاح السياسي الذي رفعته الدولة الأردنية شعارا لها في المرحلة القادمة بالشلل التام بحيث يصبح من الاستحالة في ظل غياب سلطة التشريع وإصدار القوانين أن يتم إنفاذ التعديلات الدستورية الأخيرة لعام 2011 والتي قيدتها الفقرة الثانية من المادة (128) من الدستور بمدة ثلاث سنوات لتعديل وإلغاء وإصدار التشريعات اللازمة لإنفاذ النصوص الدستورية المعدلة. فأي حكومة جديدة ستؤلف بعد الحل ستكون مكبلة ومقيدة بعودة مجلس النواب وذلك للحصول على الثقة على بيانها الوزاري، وستعلو الأصوات مجددا حول طبيعتها الدستورية وما إذا كانت هي حكومة انتقالية يجب أن تستقيل بعد إجراء الانتخابات، أم أنها ستسمر في العمل بعد إعادة تشكيل مجلس النواب.

كما تكمن المشكلة الدستورية الأخرى في حل مجلس النواب الحالي في أن الدستور الأردني المعدل قد قيد الفترة الزمنية التي يجب أن يتم فيها إجراء الانتخاب العام بعد حل مجلس النواب بأربعة أشهر فقط بحيث يترتب على انقضائها دون إجراء الانتخابات أن يعود مجلس النواب المنحل بقوة الدستور. فالدولة الأردنية ليس لديها قانون انتخاب متوافق عليه لإجراء انتخابات تشريعية على ضوء قرار الحل، ذلك أن القانون الحالي الذي قدم نواب القوائم الوطنية المغلقة قد أثبت فشله وعقمه في إفراز مجلس نواب تمثيلي يلبي الطموحات الشعبية، ولا أدل على ذلك المشاكل التي يتسبب بها وسوء السلوك الذي يصدر عن أعضاء المجلس الحالي.

وما يزيد الأمور تعقيدا أن الحكومة لا يمكنها أن تصدر قانون انتخاب مؤقت لتجرى على أساسه الانتخابات التشريعية خلال الأربعة أشهر القادمة بعد الحل، ذلك أن المشرع الدستوري قد عدَّل أحكام المادة (94) من الدستور وحصر الحالات التي يجوز فيها لمجلس الوزراء إصدار قانون مؤقت في ظل حل مجلس النواب بحالات محددة هي الحرب والطوارئ والكوارث العامة والنفقات المستعجلة، وهي حالات لا يمكن بأي حال من الأحوال التمسك بها في هذه الفترة الزمنية لتبرير إصدار قانون انتخاب مؤقت.

وعلى الفرض الساقط أن الدولة الأردنية قد قررت المجازفة وإجراء الانتخابات التشريعية القادمة بعد الحل بموجب قانون الانتخاب الحالي، فإن المشكلة الدستورية الأخرى التي ستقف حجر عثرة في سبيل إعادة تشكيل مجلس النواب أن الهيئة المستقلة للانتخاب والتي أعطاها المشرع الدستوري الحق الحصري في الإشراف على الانتخابات النيابية وإدارتها في جميع مراحلها لم تلتقط أنفاسها بعد من الانتخابات الأخيرة التي أجرتها مطلع العام الحالي، ولم يتح لها المجال لإعادة ترتيب أوراقها ودراسة الأخطاء والهفوات التي ارتكبتها عند إجرائها الانتخابات التشريعية السابقة وذلك لكي لا تتكرر في أي انتخابات نيابية قادمة. هذا بالإضافة إلى عدم جاهزية الهيئة إداريا وتنظيميا لإجراء الانتخابات، فهي بدون رئيس منذ أشهر عديدة بعد استقالة الدكتور عبد الله الخطيب، ناهيك عن عدم ترسيخ جذور الجهاز الوظيفي داخلها، فهي قد استعانت بموظفي الوزارات والدوائر الحكومية الأخرى لإجراء الانتخابات النيابية الأخيرة، وهو الأمر المتوقع حدوثه مجددا إذا ما تقرر إجراء انتخابات نيابية خلال الأربع أشهر القادمة.

لذا، فإن الحل الأمثل لمواجهة الأزمة التي تسبب بها مجلس النواب في ظل التحديات الدستورية التي ستواجهها الدولة الأردنية إذا ما أقدمت على حل المجلس أن يجتهد الأخير في إصلاح شؤونه الداخلية من خلال الإسراع في تطبيق بنود النظام الداخلي الجديد فيما يتعلق بتشكيل الكتل النيابية، وإصدار مدونة سلوك نيابية تتضمن المبادئ والأحكام التي يجب أن تحكم تصرف النائب داخل أروقة المجلس.

كما يجب أن تبادر رئاسة المجلس الجديدة التي سيتم انتخابها في بداية الدورة العادية المقبلة إلى ممارسة دورها الدستوري على أكمل وجه وذلك من خلال إعمال الحزم والشدة في التعاطي مع سوء سلوك النواب وتطبيق العقوبات القانونية والدستورية عليهم دون سياسة الانتقاء والعشوائية التي غالبا ما كانت هي المطبقة والتي ألقت بظلالها على الثقة الشعبية بمجلس النواب. فالعلة من التجريم وإيقاع عقوبة الفصل النيابية واحدة لمن يطلق النار وكذلك لمن يهدد بحزامه ويشهر سلاحه ويرمي حذاؤه، وإن اختلفوا في خطورة الفعل والنتيجة الجرمية المترتبة عليه.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة