السبت 2024-12-14 02:50 ص
 

هل طاهر المصري مهددٌ بالمحرقة؟!

03:24 م

محمد السنجلاوي - لقد ضجّت مُؤخّراً الصالونات السياسية والمنابر الإعلامية، وصولاً إلى الشارع الأردني الذي لم يَسْلم هو الآخر من تبعات هذه الضجّة بالحديث حول خروج دولة 'طاهر المصري' من رئاسة مجلس الأعيان. اضافة اعلان


ربما حدثت كل هذه الضجة؛ نظراً لما يتمتع به الرجل من حضور سياسي لافت. فهو من الشخصيات التي لم تتغيّب عن المسرح السياسي طيلة أكثر من 'أربعين عاماً'.

لقد استطاعت هذه الشخصية مع مرور السنوات، أن تفرض حضورها الدائم، وأن تنحت لها مقعداً في صفوف الشخصيات ذات الأوزان الثقيلة في الدولة.

تعد شخصية المصري، من الشخصيات التي اشتهرت بالهدوء، والرويّة، والتواضع، والدماثة، والحكمة، مضافاً إليها الحنكة السياسية؛ ولذا كانت تبتعد دائماً عن الدخول في ميدان المناكفات السياسية – رغم كثرة حسّادها ومناكفيها - وذلك حفاظاً على ملامحها التي استقرّت في الوجدان الرسمي والشعبي.

إن صفات تلك الشخصية، أورثها حبّاً واحتراماً لدى جميع الأردنيين من شتى الأصول والمنابت، بحيث تحوّلت مع مرور الوقت والأزمات إلى شخصية اعتبارية وتوافقية إلى حدّ كبير.

المناكفون السياسيون لهذه الشخصية، حاولوا – عدّة مرات – عبر مناكفاتهم، التي لم تخل من القسوة في كثير من الأحيان، زحزحتها وإخراجها عن إطارها (الملتزم)، عن طريق توجيه جملة من الإتهامات لها، بخاصة منذ انطلاقة ما سُمي بــ (الربيع العربي) والحديث عن الإصلاح السياسي في الأردن تَمثّل أبرزها بـ (المغرّد خارج السِّرب).

إن الهدف الرئيس من إظهار تلك الشخصية بهذه الصّفة، هو النيل من مكانتها لدى سيِّد القصر الملكي، والتشكيك في ولائها وانتمائها. في حين لو دقّقنا النظر في الخطاب السياسي لهذه الشخصية، لوجدناه خطاباً متوازاناً مستقرّاً، أبعد ما يكون عن التذبذب أو التلوّن السياسي، ودائماّ كان خطابه يشي بالولاء والإنتماء الصارخين للعائلة الهاشمية وللوطن.

وفي السياق ذاته نضيف: بأن دولة (طاهر المصري) كلما ارتقى منبراً إعلامياً، سرعان ما يُساء فهمه، إما للإجتزاء، أو التحوير، أو التحريف، أو التشويه... الخ.

يتعرّض خطابه لهذا الأمر؛ لأنه من الشخصيات السياسية، التي تتحدث عن الإصلاح بجميع أبعاده، بنبرة 'عالية السّقف' إذا ما قورنت بنبرات تيار 'المحافظين' في الدولة أو الحرس القديم.

رداً على ذلك، ومن منطلق وقوفنا على ملامح هذه الشخصية، فإننا نخاله يردّد في دخيلة نفسه، ويصدح من معبد صمته: عليَّ أن أقول، وعليكم أن تتقولوا!!

أجل لقد غادر المصري رئاسة مجلس الأعيان، مخلِّفاً وراءه جملة من 'التقوّلات' ذهب معظمها في اتجاهين:

الإتجاه الأول: انصبّ على أن الرجل تمت الإطاحة به، بفعل مؤامرة حَملَتْ القصر الملكي على عدم تجديد رئاسته (لمجلس الملك) للمرة الرابعة على التوالي.

الإتجاه الثاني: انصبّ على أن الرجل لم يُجدَّد له، ليس بسبب غضب أو عتب من القصر الملكي، بل بدافع محبة وثقة يكنّهما الأخير للمصري، هدفهما الأول والأخير تحضيره لخلافة رئيس الوزراء الحالي 'د. عبدالله النسور'.

بالنسبة لأصحاب الإتجاه الأول، فقد فندّ الرجل نفسه مقولات أصحابه خلال مقابلة أُجريت معه مؤخراً على قناة 'رؤيا' الفضائية الأردنية. حيث أشار بوضوح إلى أن العلاقة التي تربطه مع جلالة الملك، هي علاقة متينة تتصف بتقدير جلالته لشخصيته، التي وصفها جلالة الملك بـ 'الشخصية السياسية النبيلة'.

وقد وصف المصري، أن ما حدث معه لا يجوز أن نطلق عليه سوى 'الخروج الطبيعي'، الذي لا علاقة له بالإقصاء، أو الإستبعاد، ولا وجود لأية مؤامرة وقفت خلف ذلك الخروج.

أما بالنسبة لأصحاب الإتجاه الثاني، فقد أكد المصري في المقابلة نفسها، بأن جلالة الملك طلب إليه أن يستريح 'لبعض الوقت'، ملمّحاً في ذلك إلى وعد ضمني – هذا ما يُفهم من السياق -؛ مما جعل المصري يثمن موقف جلالته، مؤكّداً له بأنه سيظل 'جندياً منضبطاً داخل الموقف الرسمي أو خارجه' وقد ورد ذلك في الرسالة التي بعثها لجلالته بعد خروجه من الرئاسة.

إذن من خلال تلك المقابلة، استطاع الرجل أن ينهي إلى حد كبيرذلك اللّغط الذي دار حول خروجه، دون أن يفوته التأكيد على سلامة النسيج الإجتماعي، وعلى ضرورة الوحدة الوطنية، من خلال الإبتعاد أو عدم الخوض بما يسمى بـ 'المحاصصة'، التي لم تكن يوما لغته، ولم يكن يوما من دعاتها، وهذا يعد أكبرتأكيد منه على أن خروجه من المجلس، لا علاقة له بالمكوّن الفلسطيني أو بالمحاصصة البغيضة بمعناها الضيق.

ولكن المدقق في تلك المقابلة، يدرك أن المصري ترك الباب موارباً، لترجيح كفة أصحاب الإتجاه الثاني، الذين تكهنوا بخلافته لرئيس الوزراء الحالي، الأمر الذي يجعلنا نطرح السؤال الآتي: هل تم فعلا خروج المصري من رئاسة الأعيان، لاستلام منصب حسّاس في الدولة سواء تَمثّل برئاسة الوزراء أو رئاسة الديوان الملكي أو أي منصب آخر؟

إذا استندنا مرة أخرى إلى تلك المقابلة، لوجدنا أن الرجل ردّد عبارة (الإستراحة لبعض الوقت)، وهذه العبارة وردت على لسان جلالة الملك هذا من جانب، ومن جانب آخر فإنه عندما سئل: هل تقبل بمنصب رئاسة الوزراء إذا عُرض عليك؟

أجاب وقتها: ' لما يجي الصبي،بنصلي على النبي '، مذكّرا في الوقت نفسه بأنه لم يُمنح أية وعود، ولكنه استدرك قائلا: بأنه على استعداد تام أن يلبي نداء الواجب، كجندي مخلص من جنود الوطن إذا اقتضى الظرف ذلك، فهو دائما تحت تصرف جلالته.

ولأن السياسة لها منطق مختلف كل الإختلاف عن المنطق الرياضي، فإن كل الإحتمالات تظل واردة. وبالتالي سيظل المشهد السياسي مفتوحا على كل الخيارات.

تعقيبا على ما سبق، إن جميع المؤشرات تشير بوضوح على أن الحكومة الحالية، تمر في فترة ( احتضار سياسي ) قد تطول لبعض الوقت. هذا الاحتضار مرده إلى زيادة ارتفاع منسوب الغضب الشعبي من سياساتها، التي أرهقت البلاد والعباد.

ولكن المشكل الحقيقي يتجلى في البحث عن شخصية سياسية ذات نكهة شعبية، خلفا لرئاسة الوزراء، في ظل ظروف محلية وإقليمية بالغة الدقة والصعوبة. ومن هنا فإن التفكير في شخصية مثل شخصية (المصري) سيهوّن على صاحب القرار، عملية تنحية الرئيس الحالي (د. عبدالله النسور)، ويخفف من وطأة ذلك المشكل.

وذلك نظراً لما يتمتع به الرجل من صفات واعتبارات سقناها سابقا، إضافة إلى أنه مرحب به لدى (التيارات الإسلامية)، والنقابات والأحزاب، ومؤسسات المجتمع المدني.

ولذا فإنه من السهولة بمكان - وقتها – فتح حوار مع المعارضة والحراكيين بخاصة جماعة (الإخوان المسلمون)، والعمل على ترطيب المناخ السياسي الجاف.

بهذا الصدد فقد أعلن الرجل بأنه: ' كان يفضل بأن يكون هناك إسلاميين، في تشكيلة الأعيان الجديدة' مذكرين أيضا بما كان قد صرّح به سابقا، وذلك بعد عزل الرئيس المصري ( د. محمد مرسي ) بأنه: ' لا يجوز التشفي بجماعة الإخوان المسلمين'

رغم كل ما سقناه، فإذا جاء (الصبي )، وأصبح الرجل رئيسا للوزراء، فهل يظل محافظا على شعبيته وعلى شخصيته التوافقية لدى أطياف المجتمع الأردني المتنوعة ؟ وهل سينجو من لعنة ذلك ' الصبي المشوّه ' إذا تبناه؟

وللإجابة عن ذلك، فإننا نميل إلى القول، بأن الرجل سيفقد كثيرا من رصيده الشعبي، وسيجد نفسه في مواجهة لا تستطيع دبلوماسيته تجاوزها مع قوى المعارضة على وجه الخصوص. لأن التغيير الذي سيحدثه – كونه محسوبا على التيار الإصلاحي – سيطال القشور فقط دون أن يمس الجوهر.

وبالتالي لن يغير من المعادلة السياسية شيئا بالمفهوم الحقيقي للإصلاح الذي طالما نادى به، وهنا استخدمنا التعبير ذاته، الذي استخدمه المصري عندما سئل في المقابلة ذاتها، عن حجم التغيير الذي قد يطرأ على مجلس النواب إذا تغيرت رئاسته الحالية، فأجاب الرجل بكل هدوء: لن يغير شيئاً في المعادلة السياسية.

منتهى القول: إن التركة الثقيلة للحكومة الحالية بخاصة والحكومات السابقة بعامة، قد حولت رئاسة الوزراء إلى ( محرقة للشخصيات السياسية).

بناء على ذلك فإننا لا نعتقد بأن دولة ( طاهر المصري) سينجو من هذه المحرقة إذا تصدى لها، ولكنه قد ينجو بسهولة إذا تم تكليفه برئاسة الديوان الملكي، أو أي منصب آخر بعيدا عن ألسنة لهب تلك المحرقة.

لذا فقد تتغير المناصب، وتتغير الوجوه لكن (الشعب الأردني)، سيظل حاله كحال بطل الميثولوجيا الإغريقية (سيزيف)، الذي حكمت عليه الآلهة بأن يحمل صخرة من أسفل الجبل إلى أعلاه، فإذا وصلت القمة تدحرجت إلى الوادي، فيعود مجددا إلى رفعها ... ويظل هكذا إلى الأبد !!


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة