السبت 2024-12-14 02:38 ص
 

هل نقدر على النقد الذاتي؟

12:14 م

يمرّ الإنسان بمراحل قوة وضعف، والحديث عن الفرد هنا كالحديث عن المجتمع والدولة؛ لأنّ الكلّ يشترك بهذه الخصّيصة.اضافة اعلان

وخلال هاتين المرحلتين اللتين يمرّ بهما الإنسان أو الدولة، يفتقر كلٌّ منهما لعملية مراجعة صادقة، يقوم من خلالها بالنقد الذاتي، الذي من خلاله يتبيّن له الخطأ والصواب، ليحافظ على الصواب والنجاح، وليتجنب الخطأ والفشل؛ لأن الإنسان أو الدولة إن لم يعرف أحدهما أخطاءه، ستستمرّ تلك الأخطاء، وربما تزيد وتتضاعف، وعندها ستكون الخسائر فادحة. وهذا النقد الذاتي جزء من التخطيط السليم، فمن خلاله يعرف كل من الإنسان أو الدولة أين يقف بالضبط، وكم يحتاج للوصول لغايته.
لكنْ ما نقوم به على الصعيد الفردي أو الجماعي هو النقد المصحوب بالمجاملات غالبًا؛ لأننا على الصعيد الشخصي نعتبر أيّ تذكير بأخطائنا هو إنقاص من شخصنا وذاتنا، بل وطعن في قدرتنا وكفاءتنا. أما على الصعيد المجتمعي فإنّ الحديث عن أي خطأ هو انتقاص من قيم المجتمع ومثله العليا، بغض النظر عن حقيقة هذه القيم وصلاحيتها. أما انتقاد الأداء الحكومي فبمثابة الخيانة للوطن، والتقليل من منجزاته، والطعن في مسيرته نحو الأفضل.
يسمح لك أن تعظّم إنجازات الفرد أو الدولة، والمبالغة في ذلك أمر مطلوب ومستحسن، فعلى صعيد الفرد كلما زاد حجم مجاملاتك وتعظيمك للآخر زاد حبه لك وقربه منك. أمّا على صعيد الدولة، فكَيْلُكَ للمديح جزافًا دليلٌ على صدق الولاء والانتماء لتراب الوطن، وحكومته الرشيدة المعصومة التي لا تعرف طريق الخطأ. هاتان الصورتان خير مثال لما يُعرف بالنفاق الاجتماعي، والنفاق السياسي، والنفاق لا يأتي بخير أبدا.
عندما نتحدث عن النقد الذاتي لا نقصد به (جلد الذات) والقسوة عليها، بل المقصود أن نقوم بعمل تقويم وتقييم فكري يمارسه البشر والأمم المتحضرة، لمعرفة الأخطاء لاجتنابها، وعدم الوقوع فيها، للوصول إلى الأهداف المرجوة، لتحقيق مصلحة الوطن والمواطن. أما إن وجدنا كأفراد أو مؤسسات أن النقد ثقيل على مسامعنا فلنعلم أننا نسير بالاتجاه الخاطئ، وأننا لا نصلح لتحمل المسؤولية التي من أهم مبادئها، النقد الذاتي والاعتراف بالخطأ وتصحيح المسار.
حبّ الإنسان لأخيه، أو حبه لوطنه لا يعني أن يكون من المصوِّبة، الذين لا يرون الأخطاء أبدًا، بل يرون كل شيء صادر عن المحبوب صوابًا ومحبوبًا، متحققين بالمثل القائل: (ضرب الحبيب كأكل الزبيب) يعني مذاقه حلوّ، مع أن الضرب عنف جسدي مرفوض. هذا الحبّ الأعمى ستكون له نتائج سلبية في الأعم الأغلب، ومثاله، لو تركت ولدك (ذكرا أو أنثى) يمضي غالب وقته على الأجهزة الإلكترونية؛ لأنك تحبه، ولا تريد أن تكسر بخاطره، ستكون النتيجة أن يصاب هذا الولد بداء في عينيه. لكنك لو قمت بتنظيم وقته مع هذه الأجهزة، وكنت صارما وحازما في لبسه النظارات الواقية، لا شك أنك ستحافظ على عيني ولدك، ولن تكون مشاعرك تجاه ولدك أٌقل من صاحب الصورة الأولى، لكنْ فرق بين من يصحح الخطأ وبين من يرتضيه بحجة المحبة. وما قيل هنا يقال على مستوى المجتمع، فعندما نرى مثلا أنّ التفاخر في بيوت العزاء وما يقدّم فيها دليل على محبة الميت ونوع من الوفاء له، فنقوم بالإسراف والتبذير فيها، فهذا أمر غير صحيح، ولو أننا صرفنا هذا المال عن روحه للفقراء والمساكين لكان أكثر نفعا للمتوفى، وهذا لا يقلل من محبتنا أو وفائنا له بل هي المحبة النافعة. ومثل هذا يقال على الصعيد الوطني والحكومي، تاركًا الأمثلة للقارئ الكريم.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة