الغارات الجوية التركية التي استهدفت مواقع «كردية» في الحسكة السورية وخصوصاً جبل سنجار العراقي،نجحت (حتى الان) في إحراج اكثر من جهة «ولاعب»على ميادين الصراع في كل من سوريا والعراق,وبدت واشنطن التي تقود ما يُوصَف بالتحالف الدولي لمحاربة الارهاب,الأكثر حرجاً و»إصابة»بالمعنى السياسي,جرّاء هذه الضربات التي تم التخطيط لها بدقة,سواء في تحديد طبيعة الاهداف على الارض،وإن شابها خطأ جسيم,تمثل في سقوط ضحايا من البشمركة التابعة لِإقليم كردستان,ما سبب حرجاً اضافياً للحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود برزاني,الذي تربطه بأنقرة,علاقات جيدة (حتى الان أيضاً)أم في رفع «العتب» ولو المؤقت عن انقرة,عبر ما كشفه الرئيس التركي من ان بلاده «أبلغت الولايات المتحدة وروسيا والعراق»,مضيفاً:انها عملية ابلغنا بها برزاني.. أيضاً.
المتضرر الاول من الضربات التركية هي الولايات المتحدة الاميركية,التي كان بمقدورها الحؤول دون حدوث هذه الغارات الواسعة والتي استمرت اكثر من ساعة،عبر التصدي لها,او نشر مظلة جوية فوق المنطقة المُستهدَفة,خصوصاً ان سنجار تقع في عمق الاراضي العراقية (غرب الموصل) فضلاً عن كونها «مَرْتعاً» للطائرات الاميركية منذ العام 1991,عندما تم فرض حظر جوي على شمال العراق،الأمر الذي لم تفعله واشنطن,حيث اعترفت عبر الناطق باسم خارجيتها مارك تونر بأن انقرة «أعلمتها» بالغارات قبل حدوثها,وهو ما كشفه تونر بعبارات ملتبسة على الطريقة الاميركية بقوله:»ان انقرة لم تحصل على موافقة التحالف الذي تقوده واشنطن، واستهدفت قوات شريكة لها في قتال الدولة الاسلامية».ولم يُغيِّر «القلق العميق» الذي اعربت عنه ادارة ترامب حول الغارات التركية التي «تمت دون تنسيق» كما جاء في بيان البيت الابيض،شيئاً جوهرياً في طبيعة الأهداف السياسية والاستراتيجية التي أراد اردوغان تحقيقها,بعد ان بدت تركيا وكأنها الخاسر الأكبر، إثر فشل غزوها للشمال السوري في 24 آب الماضي, المُسمّى»درع الفرات»,بِإجبارها على ابتلاع لسانها وكسر طموحاتها,عندما تم «منعها» ميدانياً وعملياً,من الوصول الى مِنبِج,والاخطر من ذلك كلّه,الرفض القاطع لمشاركتها في معركتي تحرير مدينتي الموصل والرقة.
هنا.. تكمن اسباب الاندفاعة الاردوغانية المفاجِئة,التي وإن كان الرئيس التركي ورئيس حكومته,قد ألمحا عند الاعلان عن «انتهاء» غزوة «درع الفرات»,ان عمليات اخرى قيد التخطيط والتنفيذ في سوريا والعراق,وان واحدة منها ستحمل اسم «درع دجلة» (يرشح ان اسمها سيكون.. درع الشرق) في اشارة الى التوغل نحو العراق هذه المرة،إلاّ ان التوقيت الذي تم اختياره لتنفيذ الضربات الواسعة الاخيرة,بِاستهداف مواقع «كردية» سورية واخرى عراقية،ليس فقط قوات حزب العمال الكردستاني PKK الموجودة في سنجار,بل وحدات حماية الشعب PYD الكردية السورية في الحسكة وتل ابيض, يؤشر الى ان انقرة قصدت «كل»هدف ضَرِبَتْه,والإيحاء بأنها ستتحمّل تبعات هذه الضربات.. «سياسياً»ولن تتراجع بل ستمضي قدماً لِتنفيذ المزيد منها»حتى يتم تحييد آخر ارهابي»كما قال اردوغان حرفياً بعد تنفيذ الغارات.
ماذا عن واشنطن؟
لن تذهب ادارة ترامب أبعد من رد فعلها»المنافِق» على الغارات التركية الذي انحصر في التعبير عن «القلق العميق»وبخاصة ان اردوغان بات يعتقد انه اكثر قوة مما كان عليه قبل الإستفتاء الأخير،فضلاً عن ان معركة «الرقة»لم تبدأ بعد,لهذا فهو يراهن على امكانية تراجع ادارة ترامب عن تحالفها مع قوات سوريا الديمقراطية,التي تدعمها وتثق بها وبقدراتها،في الوقت الذي بدأ كُرد سوريا,يُعبِّرون فيه عن غضبهم من موقف التحالف بعد الضربات التركية,مُطالبين التحالف (اي واشنطن) بحمايتهم,كما قال إلدار خليل الناطق باسم قوات حماية الشعب:»إذا تكرّرت الهجمات واستمر الصمت، فإن ذلك سيؤثِّر في الحرب على داعش, وفي العلاقة مع التحالف».
هذا بِالضبط ما يسعى إليه الرئيس التركي.ضَرب العلاقة الوثيقة التي تربط بين واشنطن و»ارهابيي» قوات حماية الشعب,التي تقود قوات سوريا الديمقراطية,المُكوَّنة من عرب واكراد سوريين.. على ما يُعلِن هؤلاء.رغم انه في المقلب الآخر، اضطرّت قيادة اقليم كردستان والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة رئيس الاقليم مسعود برزاني,الى انتقاد هذه الضربات والتعبير عن «أسف كبير» لاستشهاد البشمركة. كما جاء في بيانات صحفية,مُعتبِرة «قصف البشمركة من قِبل المقاتلات التركية.. غير مقبول».
صحيح ان اللهجة خجولَة,وعباراتها منتقاة بعناية,كون أربيل لا تريد قطع «الخيوط» التي تربطها بأنقرة,والتي أصابَها الفتور خصوصاً بعد تحذير انقرة ورفضها رفع علم كردستان على مباني وإدارات محافظة كركوك, في الوقت ذاته الذي عبّرت فيه الكتل الكردية البرلمانية المُنافِسة لحزب برزاني,عن «إدانتها الشديدة» لهذه الغارات ووصفتها بعبارات قوية وغاضبة,ولم تطلب من قوات حزب العمال الكردستاني المُتمركزة في جبل سنجار,الإنسحاب «الفوري» من كردستان العراق,على ما طالب به حزب برزاني,وهي مسألة يمنحها الرئيس برزاني أولوية قصوى في مشهد العلاقات الكردية ـــ الكردية على مستوى الإقليم,وإن كان الناطق باسم وزارة البشمركة دعا تركيا الى التعامل»بدقة وحساسية اكبر، لأننا لا نريد ان تتحول مناطق كردستان الى طرف في صراع الآخَرين»... وفق العميد هلكرد حكمت.
من السابق لأوانه الحديث عن تغييرات جوهرية في طبيعة العلاقات بين الاطراف ذات الصلة في الازمتين العراقية والسورية,التي كانت سائدة قبل الغارات التركية الأخيرة، إلاّ انه من السذاجة عدم الإعتقاد ان الغارات هذه,قد تركت «ندوباً» على تلك العلاقات,المُتوَقّع ان تزداد تدهوراً,وبالتالي استجلاب ردود فعل وربما تحالفات جديدة او تشظيات في علاقات مأزومة اصلاً بين واشنطن وانقرة,التي احتجّت قبل ساعات من الغارات,على وصف ترامب المجازر التركية بحق الأرمَن»بِأسوأالفظائع»,رغم عدم استخدامه مصطلح «الإبادة»,فضلاً عن «تهديد اردوغان»الإتحاد الاوروبي بـِ»الإنسحاب»من مفاوضات الإنضمام لعضوية الإتحاد,ما يعكس شعوره بفائض القوة الذي بات يتوفّرعليها...بعد الإستفتاء.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو