السبت 2024-12-14 01:10 م
 

والد سيما الشجاع

01:11 م

شجاعة لا يمكن أن توصف إلا بكونها 'غير عادية' تلك التي تحلى بها والد الطفلة سيما، حينما رفض تزويجها لمغتصبها، ولسان حاله يقول: 'ابنتي ضحية وليست مجرمة؛ وليس مسموحاً أن يتواصل ارتكاب الجرائم بحقها'؛ وإن لم يشرح لنا كم كان قراره صعبا حينما سلك طريق اليقين بضرورة معاقبة الجاني، وليس مكافأته على فعلته القبيحة.اضافة اعلان

القصة المؤلمة إلى أبعد الحدود، والتي لا تحدث كثيرا في مجتمعنا؛ نقلتها الزميلة نادين النمري في 'الغد'. فحكت لنا كيف رفض الوالد المجروح تزويج صغيرته لمغتصبها، بدلا من طريق أخرى يتيحها القانون، وتقضي بتزويج الصغيرة للمجرم بدعوى 'الستر على الضحية'!
خطوة الأب على قسوتها وعبئها النفسي، أثارت ردود فعل متناقضة؛ بين معجب بالأب الذي فضل تطبيق القانون على المجرم، وبين رافض لمسلكه غير المتقبل لمبدأ درء الفضيحة، بتزويج صغيرته إلى إنسان يتكشف مستواه المنحط من نوع الجريمة التي ارتكبها.
قانونيا، تقع عقوبة الإعدام على من يغتصب طفلة دون الخامسة عشرة من عمرها. وله أن يتخلص من العقوبة بعرض الزواج على الضحية.
قصة سيما، وهو اسم مستعار للطفلة المغتصبة، فيها الكثير من التفاصيل الموجعة، وكيف تستطيع طفلة في الرابعة عشرة من عمرها رواية ما حدث معها، ببشاعته، وهي التي خضعت لأكثر من محاكمة؛ لاسيما مع اعتبارها جانية من وجهة نظر أقارب وموظفين رسميين يتصل عملهم بالقضية، ولربما من وجهة نظر المجتمع في غالبيته!
سيما الطفلة تعرضت لأقسى وأصعب جريمة. وفي مجتمعات متحضرة تحترم حقوق الإنسان، كانت ستغدو ضحية من نوع مختلف، تلقى من الجميع شديد المراعاة لمشاعرها. لكنها في بيئتنا توصم، على الأغلب، بأسوأ الأوصاف، بل وتهان، إلا من قبل قلة 'تجرأت!' على الوقوف إلى جانبها في محنتها.
قليلة هي القرارات المماثلة لقرار والد سيما في المجتمعات العربية عموما، وفي المجتمع الأردني على وجه الخصوص؛ فالمبدأ العام للقرار المتوقع هو ستر الضحية، حتى وإن كان معنى ذلك بقاءها مكسورة فيما تبقّى لها من عمر، عبر زواج يبرهن الواقع أنه صوري وغير قابل للحياة، لأنه بني في أصله على انتهاك لحق الحياة ذاته بمعناه الشامل.
هذا النوع من القضايا معقد حد الإرباك، والتعاطي معها لا ينفصل عن واقع مجتمعنا الذي وإن كان يدين بشدة هذا النوع من الجرائم، إلا أنه يسعى إلى تغطيتها بمادة قانونية تسقط العقوبة عن المجرم، في حال رضي الزواج بضحيته! فأي حل هذا؟!
الحل الفعلي يكون بإيقاع أقسى العقوبات بحق المجرم، قصاصا منه وردعا لغيره حتى عن التفكير في الإقدام على هكذا فعل شنيع، وليدرك المجتمع، بالتالي، أن التستر على هذا النوع من الجرائم ليس حلا.
وعلى الحقوقيين ومؤسسات المجتمع المدني الضغط من أجل إلغاء المادة (308) من قانون العقوبات الأردني التي تعفي المغتصِب من الملاحقة القضائية في حال زواجه من الضحية، فذلك لا يعني إلا التمادي في انتهاك كرامة الضحية وحقوقها.
للأسف، جميع التشريعات الأردنية المتعلقة بالجرائم ضد المرأة، تساعد الجاني على التهرب من العقوبة. ومن ذلك أيضا جرائم الشرف التي تعطي حكما مخففا للقاتل بجرة قلم، تُكيّف جريمته على أنها جاءت حفاظا على الشرف!
بحكم العادات والتقاليد، تبدو فكرة زواج الضحية من مغتصبها مقبولة. لكنها بالتأكيد خداع للنفس وللمجتمع؛ فمن قال إن هذا الزواج سيستوي مهما حصل؟!
والد الطفلة سيما قدم نموذجا مختلفا لا يقدر عليه كثير من الضعاف؛ لأن فيه تحديا لأسرته ومحيطه ومجتمعه. لكنه بالتأكيد ما يزال يملك الفرصة لإعادة تأهيل ابنته، لتستعيد إنسانيتها المستباحة بسبب كل الظلم الذي وقع عليها.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة