السبت 2024-12-14 10:54 م
 

وباء العنف والإرهاب

07:00 ص

لم يحدث من قبل في التاريخ العربي هذه الميل المتزايد للعنف والقتل بين الشعوب وكأننا امام وباء لا راد له يتنقل من بلد الى آخر ومن مجتمع الى مجتمع في موجة اثر موجة ، واذا كان الوباء الناجم عن الفايروس يواجه عادة بتظافر الجهود المحلية والإقليمية والدولية على مكافحته ومحاصرته وعلاجه ، فان وباء العنف والإرهاب والقتل الذي ابتليت به الأمة سريع الانتشار لتعدد المصادر التي يتغذى منها فيما تتراجع الحكمة ويختفي العقل ويتبلدالضمير . اضافة اعلان

يكتب لنا التاريخ ان الثورات تمر عادة بأطوار متعددة قبل ان تخمد نيرانها وتستقر على وضع جديد كما حدث في الربيع الأوروبي على مدى القرنين الثامن عشر والتاسع عشر لكن هذه الثورات الأوروبية كانت ترفع شعارات واضحة مثل بناء الدولة على أساس قومي أو من اجل تحقيق الاستقلال من احتلال أجنبي او من اجل إقامة الوحدة كما حدث في إيطاليا وألمانيا .
في الطور الثاني من الربيع العربي لا نرى الا بحوراً من الدماء والعنف ليس من اجل وحدة وطنية ، ولا من اجل وحدة عربية ، انما يا غالب او مغلوب ياقاتل او مقتول و بشعارات القرون الوسطى الأوروبية حيث محاكم التفتيش وحروب التكفير وحرق العلماء والمبدعين في الشوارع مع كتبهم وعقولهم .
الفرق بين ما مر به الربيع الأوروبي وبين الربيع العربي من أطوار ، انه بموازاة العنف ومناخاته في أوروبا ولدت رموز الحضارة الاوروبية ، لقد ظهر رجال الفكر والإبداع في السياسة والعلوم والاقتصاد الخ من أمثال مونتسكيو وهوبز وفولتير وروسو وآدم سميث وتوكفيل وهيغل وماركس وغيرهم ، ولم يكونوا مفكرين فقط إنما ملهمين في وضع القواعد الفكرية والدستورية والقانونية للدولة الحديثة .
ما نراه في الربيع العربي غياب مثل هولاء الذين يعملون من اجل خير البشرية واستقرار العالم على مبادئ الإنسانية والعدالة والحرية ، نرى انحيازا لمناطق المتقاتلين وتبريرا للعنف ، انحيازا لسيف ضد سيف آخر . وكأننا امام ألف ( داحس وغبراء جديدة ) . كل طرف يحمل بوجه الطرف الآخر شروطه التعجيزية ، إما السيف او إعادة راس ( كليب ) المقطوع الى جسده كما تروي لنا الملهاة الجاهلية الشهيرة .
اما الفرق الآخر ، انه في عصور الربيع الاوروبي كانت احداث العنف والقتل تحاصر في اماكن وقوعها وقد لا يسمع بها الاخرون الا بعد مرور الوقت على شكل روايات وحكايات بسبب غياب وسائل اعلام وفضائيات وانترنت وهواتف محمولة كما يحدث في هذا العصر ، حيث يرى الكبار والصغار مشاهد الجثث وهي ساخنة وهو ما يخلق وعيا سلبيا مريضاً يدمر الضمائر ويوظف الناس في مواجهة الناس .
قبل أيام التقيت بمغترب عربي في كندا يزور المنطقة وبعد ان أبدى دهشته واستغرابه من سهولة وانتشار سفك الدماء في العالم العربي تنهد وهو يقول « الحمد لله أني كندي واعيش على بعد الاف الأميال من هذا العالم الغارق بالدم « . والحقيقة ان العرب يدخلون باب الهجرات الواسعة مع أمواج اللاجئين والهاربين بأنفسهم من مناخات الكراهية والانقسام والاقتتال .


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة