يحدثونك عن الطبقة الوسطى، أو ما تبقى منها، وضرورة الحفاظ عليها، وإعادة ترميمها بعد أن تلقت، هي وباقي الطبقات والشرائح المجتمعية، الضربات تلو الضربات بفعل سياسات اقتصادية لا تنظر إلى أبعد من أنف صاحبها، سياسات لا تتقن إلا إعادة إنتاج نفسها بحثا عن موارد للخزينة العامة والموازنات العامة عبر سلة واسعة من الضرائب والرسوم، تتضخّم عاما بعد آخر دون أفق تنموي حقيقي.
أول من أمس نقلت الصحف تصريحا لمدير عام شركة المناصير للزيوت والمحروقات ياسر المناصير، بين فيها أن بيانات قطاع المحروقات تظهر تراجعا باستهلاك المشتقات النفطية في المملكة منذ بداية العام الحالي بنسبة تتراوح بين 15 إلى 20 %. وأعاد الرجل هذا التراجع الى 'ظهور نوع من ثقافة استهلاك جديدة أو ترشيد استهلاك فرضه ارتفاع أسعار المشتقات النفطية'.
لا أعتقد أن القصة ثقافة ترشيد طوعي بقدر ما هي خيار المضطرين، وشتّان بين الأمرين، فانخفاض الإنفاق على قطاعات وخدمات معينة بين الأردنيين اليوم لا يقابله ادخار أو توسع في الإنفاق على سلع وخدمات كمالية أو سياحية ولا حتى أساسية، ومثل هذا الانخفاض باستهلاك المشتقات النفطية يعكس، في ظل عدم تطور قطاع النقل العام، انخفاض القدرات الشرائية للمواطنين وتآكل الدخول والمزيد من التدهور في الأوضاع المعيشية، وعجز أعداد متزايدة من الطبقة الوسطى، عن مجاراة تزايد الأعباء المعيشية وكلف الحياة!
في السياق أيضا، نشرت 'الغد' قبل أيام تقريرا حول اتساع ظاهرة الهجرة من المدارس الخاصة إلى الحكومية العام الحالي، في اتجاه يعكس تصاعد منحنى اضطرار عشرات آلاف الأسر من الطبقة الوسطى إلى نقل أبنائها إلى المدارس الحكومية خلال السنوات القليلة الماضية جراء ذات الضغوط الاقتصادية والمعيشية وتآكل الدخول، الذي لا يحتاج لدراسات أو خبراء اقتصاديين لتلمسه من قبل المراقب العادي.
مؤشر آخر على الدرك الأسفل الذي تنحدر إليه الطبقة الوسطى، وتراجع مستويات الادخار تبينه أرقام الودائع لدى البنوك العاملة في الأردن، والتي تراجعت 0.6 %على أساس سنوي، خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي، مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، فيما ارتفع إجمالي قيمة التسهيلات (القروض) التي منحتها البنوك خلال ذات الفترة بنسبة 8.5 % مقارنة بذات الفترة من العام الماضي.
أيضا، يمكن قراءة تراجع قيمة تداول العقارات في الاردن كمؤشر على انطحان الطبقة الوسطى واضمحلالها خلال السنوات القليلة الماضية، حيث تشي الأحصاءات الرسمية بتراجع قيمة تداول قطاع العقارات بنسبة 17.9 %، خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الحالي، على أساس سنوي، إلى 3.4 مليار دينار، مقابل حجم تداول للقطاع العقاري بلغ 4.1 مليار دينار خلال نفس الفترة من العام الماضي.
هذا غيض من فيض للتأشير الى ما وصلت إليه الطبقة الوسطى في ظل السياسات الاقتصادية للحكومات، التي لا تبدع إلا في سياسة الجباية والتوسع في الضرائب والرسوم وتحرير الأسعار، دون أن تقدم أو تلتزم بتنفيذ خطط وطنية حقيقية ومتكاملة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية. نعم؛ ثمة ظروف وأوضاع إقليمية وموضوعية قاسية تواجهها المملكة في الأقليم الملتهب، لكن ذلك لم يقابله سياسات اقتصادية واستثمارية وتنموية حقيقية، تحصن الدولة والمجتمع وتضمن على الأقل الحد من تسارع اتساع الفقر وانحسار الطبقة الوسطى.
ما هي آثار انهيار الطبقة الوسطى؟ أعتقد أن طالب سنة أولى اقتصاد أو سياسة يستطيع أن يجيب بإسهاب حول ذلك، وأن يرسم لنا الصورة الأليمة لمثل هذا الوضع! لكني غير متأكد من إن كانت الحكومة تعي حقا مثل هذه الآثار الكارثية، وهي تعد اليوم لحلب ما تبقى من طبقة وسطى لاستخراج نحو 450 مليون دينار بتوسيع قاعدة ضريبة الدخل!!
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو