كانت أعلام الدول التي شاركت في منتدى الحزام والطريق للتعاون الدولي الذي عقد في بيجين, قبل يوم من وصولنا العاصمة الصينية، ما تزال تُرفرف في شوارع المدينة الجميلة الضاجّة بالحياة والحركة السريعة، والتي تشهد نشاطاً لافتاً على أكثر من صعيد, تجسّد – ضمن أمور أخرى – في ما حفل به خطاب الرئيس الصيني شي جين بينغ في افتتاح المنتدى, الذي كان هو شخصياً مَن طرح المبادرة التي تحمل الاسم ذاته قبل أربعة أعوام (2013) واضعاً ثِقله ومكانة بلاده وما تعهد بتوفيره من أموال, في سبيل إنضاج «الفِكرة» وتجسيدها على أرض الواقع، معتمِداً في الدرجة الأولى على إثارة حماسة الدول والشعوب التي ستمر منها «خطوط» هذه الطريق(يبلغ طولها سبعة الاف كيلومتر, منها الف كيلو متر داخل الصين نفسها) وذلك الحزام, وذاكراً مبلغ «142» مليار دولار لدفع «المشروع» قُدماً إلى الأمام، في الوقت ذاته الذي اتكأ فيه على التاريخ للتذكير بفوائد وأهمية إحياء هذا المشروع الحيوي الذي سيفيد الجميع, قائلاً في تلخيص لا يخلو من دلالة: «إنّ التاريخ أفضل مُعلّم لنا، كما أن مجد طريق الحرير القديمة، يُبيّن أن المسافات الجغرافية ليست غير قابلة للتذليل».
زائر الصين يلحظ حماسة لمبادرة الرئيس الصيني, ويبذل المسؤولون جهوداً لا تخفى على أحد للترويج لهذه المبادرة, يتبدّى ذلك في الخرائط التي لا يكاد أي متحف في بيجين وخصوصاً في منطقة الحكم الذاتي لقومية الويغور (وهي آخر الجغرافية الصينية لطريق الحرير الذاهب إلى آسيا وأوروبا وإفريقيا برّاً) يخلو منها هذه الخرائط التفصيلية لخطوط طريق الحرير القديمة, التي تتفرّع إلى ثلاثة خطوط رئيسية لأسباب جغرافية وأخرى اقتصادية, ثم لا تلبث أن تلتقي عند الحدود مع دول الجوار في الطريق إلى غاياتها، وهو ما أضاء عليه خطاب الرئيس الصيني في المنتدى الأخير عندما قال: «.. تلك الطرق ربطت بين مهود الحضارات القديمة، ومنها المصرية والبابلية والهندية والصينية، فضلاً عن البوذية والمسيحية والإسلامية، ومنازل الناس من مختلف الأعراق والأجناس».
يُراهن الصينيون إذاً، على الفوائد المشتركة والمنافع المتبادَلة التي ستعود بالنفع على الدول والشعوب التي تقع (أو تُجاوِر) خطوط طريق الحرير, وهم بالتالي يلجأون إلى لغة المصالح في خطابهم، بعيداً عن لغة العسكرة والهيمنة, وما يحفَل به «كتاب» التاريخ الاستعماري... قديمه والحديث, على نحو يُذكِّر(مَن نسِي او تناسى) بـ»قصة» شركة الهند الشرقية, التي اتخذت من «التوابل» حجّة لتعميم الفكرة الاستعمارية التي فتحت شهية المُستعمِرين الغربيين، وأفضت إلى ما أفضت إليه من نهب لثروات الشعوب واستتباع لها واستعبادها والمسّ بكرامات ومصالح وثقافة وحضارة أبنائها, وبالتالي اسهمت في ايجاد هذه الفجوات الهائلة القائمة الآن بين الشمال والجنوب، على النحو الذي نشهده في ارتفاع المديونية والتخلّف والفقر وانتشار الأمراض والأوبئة والحروب الأهلية وفقدان أسباب السيادة, التي تعيشها الدول المُستعمَرَة السابقة, والتي باتت مُرتهَنة لمصالح وسياسات واستراتيجيات الدول الاستعمارية الغربية.
هذا أيضاً ما يلفت إليه الصينيون، في لغة عصرية تُلامس بشغف ما تحتاج إليه دول وشعوب عالمِنا, التي انهكتها الحروب المُفتعَلة والغزوات والإجتياحات العسكرية وخصوصاً الأميركية والتوترات المقصودة وعسكرة العلاقات الدولية. لهذا حرص شي جين بينغ، على القول: «..خطوط طريق الحرير.. تُجسّد روح السلام والتعاون والانفتاح والشمولية والمنافع المتبادلة, وهي أيضاً باتت إرثاً نفيساً للحضارة الإنسانية».
ليس صدفة أن تلقى المبادرة الصينية, حماسة ورغبة واضحة من قبل أسرة الشعوب للإلتحاق بها والمساهَمة في إحيائها، حيث حضرت وفود تمثل 130 دولة المنتدى الذي انتهى للتو, كان من بينهم 29 رئيس دولة وحكومة يتقدمهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي تُشارِك بلاده.. الصين في أكثر من منظمة ومحفل دولي وإقليمي يسعى للتخفيف من قبضة القوى الغربية وخصوصاً الولايات المتحدة, وتحكّمها في القرار الدولي وخصوصاً الاقتصادي (دعّ عنك السياسي) مثل منظمة شنغهاي ومجموعة دول بريكس, كذلك بنك تنمية البنى التحتية، الذي أطلقته بيجين ووجد استجابة ومشاركة حتى من قِبل الدول الغربية ذاتها مثل بريطانيا وألمانيا, فيما وقفت منه – كالعادة – واشنطن موقفاً عدائياً, لأنها رأت فيه منافِساً وربما مشروع «وأدٍ» للبنك الدولي, الذي تتحكّم فيه الولايات المتحدة ويفرِض شروطاً مُذلّة وقاسية على مقترضيه من الدول الفقيرة, التي تزيدها وصفات هذا البنك الأميركي (وليس الدولي) إنهاكاً وفقراً ومديونية وارتهاناً للمصالح والنظريات النيوليبرالية المُتوحشة والمدمّرة.
المسارح والمتاحف الصينية التي تمتلئ مقاعِدها بالجمهور الصيني بمختلف فئاته, تروج لمبادرة طريق واحد وحزام واحد, وكانت أكثرها شمولاً وجمالاً وإثارة وابهاراً تلك المسرحية الراقصة التي شاهدناها في احد أجمل الصروح الثقافية والمعمارية في منطقة شينجيانغ, وحملت اسم «عودة إلى المنطقة الغربية»، حيث «روت» بحرفية وقراءة دقيقة ودربة «قصة» طريق الحرير القديم, ما اثار الإعجاب ونال التصفيق الحار، الأمر الذي ذكّرني بما قاله الرئيس الصيني في خطابه امام منتدى بيجين قبل أسبوعين: «.. إن هذا الجزء من التاريخ، يُظهِر أن الحضارة تنمو بالانفتاح وأن الدول تزدهر من خلال التبادل».مضيفاً:جيلاً بعد جيل,بنى المسافِرون على طريق الحرير,جسراً للسلام والتعاون بين الشرق والغرب.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو