جبل النظيف من جديد

شدني الحنين خلال الفترة الماضية لجبل النظيف، هذا الجبل الذي قيل إن أسباب تسميته تعود لأحد سببين، الأول أن المهندس التركي الذي كان يشرف على الخط الحديدي الحجازي كان اسمه نظيف وكانت اقامته في مكان الجبل الحالي، والسبب الثاني ان المكان عند بداية عمان، وتدفق الناس إليها كان مرتفعا، فكان البعض يأتي للنزهة فيه، وعندما يتم السؤال عن سبب اختيار المكان كان جواب المتنزهين أن الهواء نظيف فكان مكانا للاستشفاء والنقاهة.اضافة اعلان


سكن الجبل مسيحيون تواجدوا بكثافة عند بدايته من ناحية وسط المدينة، وسكنه أرمن كذلك، وسكنه شركس حتى ان اسم مسجده الرئيس كان يسمى باسمهم (مسجد الشركس)، ومع النكبة الفلسطينية والوحدة بين الضفتين الشرقية والغربية بدأ الكثير من أبناء الضفة الغربية يسكنون المكان لقربه الشديد من وسط البلد والذي كان يذهب اليه سكان الجبل سيرا على الاقدام ذهابا، ويستقلون السرفيس ايابا بسبب شدة طلوع المصدار الذي كان تتفرع منه طلعة الجبل.

وفي ظل هزيمة حزيران وخسارة الضفة الغربية تدفق الكثير من سكانها للضفة الاخرى، فقطن الآلاف منهم الجبل، واستثمروا السفح الواصل بين منطقة رأس العين ومقبرة المصدار الاسلامية حتى ان تلك المنطقة اطلق عليها مجازا (مخيم محمد امين)، طبعا ذاك كان تسمية اهل المنطقة ولم تعترف منظمة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين فيه كمخيم ولم يتم ادراجه ضمن تقاريرها الدولية.

كانت المنطقة الأكثر كثافة سكانية هي المنطقة التي كان يطلق عليها (مخيم محمد امين)، فتلك المنطقة قطنها الناس دون اذن اشغال أو شهادات تسجيل او خلافه من اوراق تثبت الملكية، فيما المنطقة الواقعة بين طلوع النظيف وجامع الشركس امتلك قاطنوها وثائق تسجيل وخلافه.

تلك كانت لمحة قصيرة عن جبل النظيف الذي يعتبر الاقرب لمنطقة سقف السيل وربما تكون المنطقة التي تنافس الجبل في القرب من سقف السيل هي حي السرور الذي يقع في سفح جبل الاشرفية وبداية شارع الطلياني، كانت المقدمة ضرورية لمعرفة التطور الذي شهده الجبل وساكنوه، وبطبيعة الحال لم يخل الامر من سكان من جرش او الكرك او السلط، كان بعضهم يعمل في شركة الكهرباء او شركة الدخان اللتين كانتا تقعان في منطقة راس العين المحاذية للجبل، وربما تكون المنطقة جزءا منه، كما ان مقر النادي الاهلي كان في منطقة راس العين وكذلك كانت توجد مدينة للألعاب الترفيهية كان يقصدها الناس من جبال مختلفة ومحافظات متنوعة.

كان سيل عمان يبدأ من اطراف الجبل حيث منطقة راس العين، وكان جبل المريخ ومن ثم مخيم الوحدات يحدان طرفه الآخر، وتربع على تلته العلوية الملاصقة للمقبرة الاسلامية مسجد طارق بن زياد الذي اصبح ابرز معالم الجبل.

سكنت الجبل منذ نهاية ستينيات القرن الماضي طفلا ثم نهاية السبعينيات صبيا فنهاية الثمانينيات شابا، وتركته منتصف تسعينيات القرن الماضي، ولكني كنت اعود إليه دوما اسبوعيا او شهريا، وما يزال لدي اصدقاء ورفاق صبا يقطنون فيه، ازورهم وأراهم واسمع منهم.

صحيح ان تركيبة الجبل تغيرت، وتغيرت نوعية ساكنيه في بعض المناطق ولكن لا يمكنني القول ان الجبل انقلب رأسا على عقب، فما أزال وأنا أسير في أزقته التي ما تزال ضيقة تناديني أصوات ناس على فنجان قهوة او كاسة شاي، وما يزال الشوق الذي يجمع الناس واحدا، وما يزال الناس يعملون في مهنة شريفة ويذهب اطفالهم لمدارسهم سيرا على الاقدام، وليس ذنب سكان الحي ان القليل منهم تلوث بتجارة او ترويج مخدرات، وانما المسؤولية تقع على الحكومات التي لم تستطع حتى الآن ضبط النقاط الساخنة لتجارة المخدرات وتخليص سكان جبل النظيف وغيره من الاحياء من ذاك السم القاتل.

شخصيا، أعتقد انه من السهولة بمكان تشخيص واقع والقول اننا نعاني من بطالة وفقر ومخدرات، ولكن التشخيص عندما لا يلامس الاسباب الحقيقية يبقى ناقصا منقوصا، يهرب اصحابه للتسطيح بدل الدخول في عمق الاسباب التي وصلت للبعض الى ذاك، فهل وصلت الرسالة؟.