الوكيل - في مجتمعنا العربي، حين تبدأ الخلافات المادية أو الإجتماعية وبما ذلك في العلاقات الزوجية، على الأغلب أن يسمح كل طرف لنفسه بتجاوز حدود الآخر النفسية والمعنوية بل والأخلاقية، وكأن هذا الخلاف لابد وأن يتحول إلى أداة تدمير قد تطال سمعة الطرف الآخر.
فمن أين أتى هذا السلوك المُدمر وما جذوره؟ ربما لا أهمية للسؤال من أين أتى ولكن تكمن أهميته بأنه يتعارض مع تعاليم ديننا الحنيف. فالخلاف يوجد في الحياة وسوف يوجد دائماً ولكن هناك حدود لا يجب تجاوزها، فحتى في أشد الحروب ضراوة هناك قوانين انسانية وأخلاقية لابد من مراعاتها.
ولكن الأخطر في كل هذه الخلافات هو ما يمس الطفل، لأنه اللبنة الأساسية في المجتمع؛ نحن كذلك في مجتمعنا العربي نولي الطفل الأهمية المادية والعاطفية وكذلك التعليمية ولكننا نهمل وبشكل خطير أهمية بنيته الشخصية والنفسية. ومن أهم ما يُتلف بل وقد يدمر شخصية الطفل الذي سيكون رجل هو الإساءة المتعمدة والممنهجة وطويلة الأمد لوالده أو لوالدته وإظهار العداء والكراهية لأحدهما في حالة الطلاق بل قد يكون هذا الكره خلال الزواج .
رغبت بتناول هذا الموضوع بصورة علمية وليس كرأي شخصي، وذلك بالرجوع إلى أبحاث علمية غربية وترجمة بعض النقاط حول الآثار الذي يتركه هذا الكره المُتعمد والجاهل كذلك من آثار على شخصية الطفل سواء بطفولته أو بمراحل لاحقة طوال حياته.
الآثار النفسية قريبة وبعيدة المدى على إظهار العدائية للأب أو للأم:
حين يتم الحديث بشكل سلبي عن الأب أو الأم يعتقد الطفل بأن الحديث موجه له أيضاً ويعتقد أن هذه العيوب موجودة به أيضاً لأنه جزء من ذلك الشخص الذي يُساء له. وهذا الطفل مُعرض لمشاكل تتعلق بنظرته إلى ذاته، ومُعرض أكثر من غيره للكآبة و إضطرابات النوم ولمشاكل في السلوك في مرحلة النضج وربما يكون ذلك بشكل دائم.
هؤلاء الأطفال يشعرون بأنه غير محبوبين ويكبرون وهم يحاولون ملأ هذا الفراغ النفسي والعاطفي والذي تم تشويهه مبكراً.
يشعر هؤلاء الأطفال بالذنب لأنهم يحبون الطرف الذي تتم مهاجمته وأنهم مخطئون بهذه المحبة له وهو ما يسبب أزمات نفسية عميقة للطفل قد ينتج عنها إدمان المخدرات أو أي نوع آخر من الإدمان في مرحلة النضج وشعور بالنقض تجاه الذات والدونية ما ينتج عن ذلك من تعقيدات نفسية وسلوكية بل ودراسية أيضاً.
المشاكل السلوكية وتجاوز الحدود تمت ملاحظتها لدى الأطفال والبالغين الذين عاشوا هذه الأجواء العدائية؛ فلدى هؤلاء الأطفال نزعة إلى 'التمنر' أي السلوك العدائي تجاه زملائهم في المدرسة وتوجيه الكثير من الإنتقادات لمن حولهم.
قد يختار هؤلاء الأطفال إتجاه معاكس وربما أسوء وهو محاولة إرضاء كل من حولهم مما يُضعف شخصيتهم وقدرتهم على إتخاذ القرارات.
قد يتجه هؤلاء الأطفال إلى الإدمان كما أشرنا سابقاً وإلى سلوكيات حادة مثل ممارسة الرياضة العنيفة أو الخطيرة أو الإنضمام لجماعات عنيفة وذلك ليجدوا مكان لهم في وسطٍ ما، أو أن يشعروا بشعور جيد تجاه شيء ما عدا عن علاقاتهم الأسرية ؛ ولكن هذه المشاعر تبدو دائماً مؤقتة الأثر لذا لابد من تكرارها أو الزيادة منها مع ما يشكل ذلك من خطر عليهم وذلك في محاولة لملأ الفراغ القديم والذي لا ينتهي.
إن إتخاذ اسلوب مهاجم ومُهين لأحد الوالدين بعد الطلاق له أثر ضار جداً على الطفل أكثر من أي شيء آخر لدرجة أن التقارير النفسية تنصح وبقوة بأن يتم معالجة هؤلاء الأطفال الذين تعرضوا لهذه الأوضاع قبل أن يؤثر ذلك وبشكل سلبي ومُدمر على شخصيتهم حين يكبرون.
كلما إزدادت مدة الصراع بين الأبوين كلما كانت الآثار السلوكية والنفسية أعمق على الطفل.
يشعر الطفل بعدم الأمان والفوضي والضغط النفسي والخوف والعجز؛ ويشعرون بخوف دائم على أنفسهم وعلى والديهم لأن خيال الطفل واسع ويقوده لتصورات كثيرة حول ما يمكن أن يحصل بجو مليء بالمشاحنات والإهانات وربما الإعتداء الجسدي.
يشعر الطفل بأن مضطر بأن يقف بجانب أحد الأطراف ويكون حائراً، وإن إتخذ قرار بأن يكون مع أحد الأطراف سيكون لذلك دائماً أثر مدمر على شخصيته ومشاعره وكذلك آثار عميقة على العلاقة الأسرية بمجملها.
قد يشعر الطفل بالذنب خصوصاً حين تكون الخلافات حول مصروف المدرسة أو الرسوم أو أي أمور تتعلق به، فيكون تحت ضغط نفسي كبير لا تحتمله طاقته المعنوية مما يؤثر على جميع مناحي حياته وبأنه شخص غير مرغوب به وسبب لكل المشاكل.
الأسلوب الذي يعالج به الآباء المشاكل أو يواجهونها سوف يتبناه الطفل بنسبة عالية حين يكبر، فلأب أو الأم هما النموذج الأول له، لذلك تتكرر نفس المعاناة ونفس المشاكل بأغلب الأحول حين ينضج الطفل وتكون له حياة خاصة به، فالتأثير الذي حصل في الطفولة تمتد آثاره لما بعد الطفولة بل وربما تستمر دائماً.
الصراعات المُزمنة والطويلة تقلل من نوعية الرعاية الأبوية، لأن الأم أو الأب يضعان كل طاقتهما السلبية بهذه المشاكل التي لا تنتهي مما يسبب بالإهمال لأمور أكثر أهمية وهي العناية بالطفل وبإحتياجاته المادية وكذلك المعنوية والنفسية وهو ما له ضرر كبير وقد لا يمكن إصلاحه في المستقبل.
والأسوء هو أن علاقة الطفل بالطرف الذي تتم مهاجمته سواء الأب أو الأم تصبح أضعف عاطفياً بل قد تتلاشى هذه العاطفة بظل كل هذه الإهانات والجو المشحون بالكره والضغينة، وكذلك علاقة الأب بالابن تضعف لأنه يشعر بأن ابنه لم يعد يحبه كالسابق، فهذا السلوك مدمر لمشاعر الطرفين ومُضعف للعلاقة العاطفية الأسرية.
ما يمكن فعله لتجنب هذه الآثار:
حماية الطفل من هذه الأجواء العدائية السامة وألا يكون وسط هذه الصراعات ولا موضوعها.
الحرص بألا يستمع الطفل للإهانات والصراخ الموجه للطرف الآخر وخصوصاً المكالمات الهاتفية التي تجعل الشخص يندفع بالغضب ويقول تعابير تهكمية أو عدائية ومهينة كذلك.
لابد للوالدين من ضبط النفس بحضور الطفل والتحفظ فيما يقولان وإن لم يستطيعا ذلك أن يطلبا مساعدة نفسية أو تربوية حرصاً على سلامة الطفل النفسية والسلوكية.
إخبار الطفل وبطريقة هادئة بوجود مشكلة ما ولكن دون الخوض بالتفاصيل والتركيز على أن ذلك ليس ذنبه أو ذنب أحد بل أن الأمور أحياناً تسير بهذه الصورة دون إغراقه بتعابير وتفاصيل تتجاوز حدود فهمه أو طاقته النفسية.
الحديث عن الطرف الآخر بإحترام وعدم إنتقاده أمام الطفل أو التقليل من شأنه لأن هذا الطرف الآخر يمثل جزء من الطفل وهو ما يشوه صورته لذاته.
لا تجعل الطفل يأخذ جانب أحد الأطراف، بل تشجيعه على محبة الطرفين وأن يكون على حياد تجاه أي مشاكل مع الوالدين وأن يتمكن من محبتهما دون لوم وهو ما يساهم بتقوية بناءه النفسي والعاطفي.
لا يجب أن يكون الطفل وبأي شكل من الأشكال حامل السر لأحد الأطراف، ويؤتمن على ما لأحد الأبوين من أسرار أو تفاصيل خاصة
فإعتبار الطفل وسيلة للتخفيف النفسي من المشلكة يسبب مشاكل نفسية حادة للطفل نفسه ولابد من التذكر بأنه طفل وأن المشكلة بين بالغين فلا يجب إقحامه بما لا مقدره له عليه؛ فالطفل لابد أن يبقى طفل.
لا بد من تقديم صورة صحية للطفل في مواجهة حالة الغضب التي تنجم عن الطلاق؛ وأول صورة تنطبع في ذهنه هي كيفية تصدي الوالدين لهذه الأزمة الصعبة؛ وهو ما يمنحه فرصة تعلم علاج مشاكله بهدوء وروية.
الأبحاث عديدة حول هذا الموضوع، وقد أشرت إلى نقاط مختصرة لموضوع عميق وهام. ولشدة عمق آثار هذا العداء على الطفل ربما لابد من إنشاء لجان إجتماعية ونفسية متخصصة لدى دوائر المحاكم الشرعية لتوجية الوالدين نحو طلاق متحضر وأخلاقي وألا ينهش أحدهما بالآخر لأجل بعضاً من المال أو الأثاث أو الذهب. فالطفل هو الثروة الحقيقية. ولكنه يتحول إلى عدو لنفسه وللمجتمع إن تمت تنشأته بوسط عدائي سلبي يغص بالأحقاد ثم نقول له بأننا نحبه؛ هذا ليس حباً؛ من يحب الآخر يحترم كيانه ومشاعره، لا يؤذيه بكرامته وعزة نفسه والأم والأب هما كرامة وعزة الطفل؛ فلينتقلا من دور الأزواج المطلقين إلى دور أشخاص ناضجين واعين لدورهم ولديهم مخافة الله تجاه هذا المخلوق الضعيف والذي يزداد ضعفه لحد الإنكسار حين يتم هدم كل ما هو جميل بقلبه وروحه وعقله.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو