وصلَه صوتُ أمِّه من بعيد: «اجمع كتبَك وحاجيّاتِك بسرعة، ستذهب إلى بيتِ جدّتك... هيّا، أسرع»!
امتثلَ للأمرِ، وشرعَ في التّنفيذِ بصمت، كان يعرفُ أنَّ العارضَ الصِّحي الذي أصابَ أختَه الصّغيرة عارضٌ معدٍ، لكنَّه لم يتوقّع أنَّ نتيجة ذلك ستكونُ على حسابِه هو... لكن لا مجالَ للمناقشة، فهمَ هذا سريعاً لمّا رأى ملامحَ والديْه وهو يغادرُ مُطرقاً !
عند وصوله ووالده، ولمَّا احتضنته الجدَّة عند البابِ طويلاً؛ لامَ نفسَه على تردِّده في القدوم، ولم يكد يلتفت نحو أبيه حتى كان قد غادر، فقالت الجدَّة كأنَّما فهمت معنى التفاتته: « لا تهتم، ليذهب بألف سلامة، أنت عند جدِّتك « فقرَّرَ ألّا يهتم !
في ليلتِه الأولى؛ لم ينم جيّداً لأنَّه ظلَّ يصحو على حركة الجدَّة تُحكم عليه غطاءه كلَّ مرَّة، ثمَّ تخرج وهي تتعثّر بأثاث الغرفة...
في اليوم التّالي، وكان يومَ عطلة، قرَّرت الجدَّة أن تطهوَ له وجبةً يحبُّها، فلفتَ نظرَه أنَّها تقضي وقتاً طويلاً جدَّاً في تنقّلها ما بين غرفةِ المعيشة والمطبخ لتفقّدِ الطّعام كلَّ مرَّة... إذ بدت له حركتُها بطيئة وثقيلة بسببِ آلامِها ممّا جعلَ المشوارَ شاقّاً مرهقاً بالنّسبةِ لها، فاقترحَ عليها القيامَ بالمهمّة بدلاً عنها، فاعتذرت له بضحكةٍ غريبة لم يفهم لها سبباً !
ثمَّ لاحظَ أنَّها تُضطر لفتح باب البيت للعديدين من الغرباء؛ بائعين متجوّلين، عمّال نظافة، متسوّلين... كما أنَّ هاتفها الأرضي لا يكفُّ عن الرَّنين، فتساءل في سرِّه لماذا لا تستخدمُ هاتفاً نقّالاً، لكن الرَّجفة في يديها أوصلته للإجابة... وكان يراها تهرع بصعوبة نحوه لظنّها أنَّه أحدُ الأبناء، لكنَّ الأمرَ لم يكن يتعدَّى المعاكسات السّمجة التي أثارت غضبه... فقرَّر أن يردَّ على المكالماتِ بنفسِه عسى أن يعرفَ المعاكسون أنَّ ثمَّة رجلاً في البيت !
وانتبه إلى أنَّها تتركُ جهازَ التّلفزيون مفتوحاً طوالَ النّهار ومعظم ساعات الليل، دونَ أن يشدَّ انتباهَها أيُّ برنامج، ولا حتى البرامجَ الرّياضية التي يعشق... فحاولَ أن يحدّثها عن كرةِ القدم، لكنّه اكتشفَ أنَّ ثقافتَها الرّياضيّة معدومة إلى درجة أنَّها لا تفهم لماذا يتراكضُ رجالٌ محترمون بسراويلَ قصيرة ملوَّنة من أجلِ كرةٍ ليس إلا !
ولفته أنَّها تُكثرُ الحديثَ عن أبنائها، وعن ذكرياتها معهم في طفولتهم، وأنَّها تكرِّرُ الحكاياتِ ذاتِها مرّاتٍ ومرّات، لكنّه لم يبدِ أمامها أيّ تذمّرٍ أو ملل، بقدْرِ ما حملَ في قلبه عتباً عليهم لأنَّهم لا يتحدَّثون عنها باستمرار كما تفعل هي...
ذات مساء، حضرَ والدُه للعودةِ به إلى البيت، فلبّى الأمرَ بصمتٍ مرَّةً أخرى، وشرعَ في جمعِ أغراضِه ليخفي بينها دفتراً صغيراً سجَّل فيه قائمةً من الأشياء التي ألزمَ نفسَه بتنفيذِها:
- الكتابةَ إلى مدير الفضائيّات لبثِ برامجَ خاصّة بالجدّات فقط...
-وضعَ جدولٍ مُلزمٍ لزيارات العائلة للجدَّة، وبالتّناوب... منعاً لإزعاجها !
كما كتبَ قائمةً بما ينوي شراءه للجدَّة :
- هاتف نقّال يعملُ بالصّوت بدلاً من الّلمس !
- جهاز بمجسّات يوضع عند بابِ بيتها يكشفُ شخصيّة من يرنّ جرسَ الباب... إن كان شرّيراً أو طيّباً !
- رفوف للمطبخ تعمل بجهاز تحكّم؛ فينزل الرَّف العالي إلى مستوى السّيّدة، وليس العكس !
صاحبنُا منهمكٌ هذه الأيّام بجمع الدّينار الأوّل من المبلغ المطلوب ممّا يتبقّى من مصروفه اليومي !
c7mob
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو