الجمعة 19-04-2024
الوكيل الاخباري
 

موقعة الدجاجة المجمدة



 
زريفة معصوبة الرأس تقف بجانب شقيقتها العزبة. كانت زريفة قد انتقلت، قبل أشهر، بعيد وفاة زوجها الذي لم تنجب منه اطفالا، طوال الخمسين سنة المنصرمة، انتقلت للسكن مع شقيقتها التي لم تتزوج قط، لذلك يسمونها «العزبة» وهو لقب طغى على اسمها ولم يعد أحد يتذكره. كانت الشقيقتان تعيشان الأسابيع الأولى براحة واطمئنان، في الغرفة التي تعلو دكان أبي.اضافة اعلان


العزبة معتادة على السكن وحيدة منذ عقود، لذلك فقد بدأت تشعر بالضيق تدريجيا، بسبب تواجد شقيقتها الدائم في الغرفة، فشرعت في ابتكار اسباب غريبة للشروع في مشاجرة مع زريفة المسالمة، ربما على سبيل السأم وكسر الروتين. ربما لم ترغب، وربما لم تستطع طرد شقيقتها، فالغرفة إرث مشترك، لكن العزبة احتكرت السكنى فيها طوال فترة زواج زريفة.

وصل الأمر بالعزبة أن تطلب من أحد ابناء شقيقها الصغار أن يجلب لها طبشورة من المدرسة المجاورة، وقامت بتقسيم الغرفة الى فلقتين غير متساويتين، حيث احتفظت بالجهة المطلة على الشارع والبرندة.

ارتضت زريفة بالقسمة الضيزى، ونقلت البريموس والفرشة، والصوبة الخضراء ذات الفتائل المضمخة بالكاز وبقية اغراضها إلى (نصف شقتها). ولم تعد الشقيقتان تتكلمان مع بعضهما.

الغرفة تضاء بالسراج، سراجان في الواقع، يضخان كمية كبيرة من السناج والدخان في جوف الغرفة. وضعت زريفة دجاجة مجمدة في صحن المنيوم، لتذوب بتؤدة، حتى الصباح، لكنها وضعتها، دون قصد ربما، على الحد الطبشورين الفاصل بين الدولتين الشقيقتين.

كادت العزبة أن تتعرقل بالدجاجة، عندما أرادت الخروج لقضاء حاجتها، فما كان منها إلا أن حملت الدجاجة مع الصحن وضربتهما باتجاه زريفة، وهي نائمة، فأصابها في الرأس مباشرة. انبثق الدم من رأس نافوخ مدرارا، وغطّى مناطق واسعة من الفاصل الطبشوري بينهما، محولا إياها، بكل أريحية، الى اللون الأحمر القاني.

صباح اليوم التالي، جاء (أبونا جليل) لمناولتهما القربان الأقدس في البيت، على عادته، مع كبار السن، الذين لا يستطيعون تجشم عناء الوصول الى الكنيسة، وشاهد رأس زريفة المعصوب بخرقة بالية، وبقايا الدم المسوح عن الأرض، بلا عناية. لم يتكلم الكاهن في البداية، حسب العرف، لكنه بعد تقديم سر القربان، وانتهاء مهمته الدينية، استفسر عن السبب الذي أدى الى هذا الوضع المشبوه.

بعد لحظة صمت، كانت فيها العزبة مطأطئة الرأس من الخجل، قالت زريفة:

-      ولا إشي يا أبونا...شي حاد سمطني بين عيوني.

لم يسأل الكاهن عن التفاصيل وخرج، في ذات اللحظة التي انهمرت فيها دموع العزبة، ومسحت ما تبقى من خط الطبشور المرسوم على أرضية الغرفة، فعانقت شقيقتها بامتنان، لأنها لم تفضح فعلتها الشنيعة أمام الخوري وهكذا تصالحت العزبة وزريفة، وتم الغاء الخط الطبشوري، وعادتا الى حياتهما ما قبل موقعة الدجاجة المجمدة.

(من كتابي الجديد»البالون رقم 10»)