الأحد 2024-12-15 04:50 م
 

الشعراء الجدد في الأردن .. شرعية جمالية يدعمها «الفيسبوك»

12:25 م

الوكيل - هيمنت باقة من أسماء شبابية عدة على المشهد الشعري مؤخرا، إلى حد باتت فيه هذه الفئة العمرية هي المتصدرة للفعاليات والندوات النقدية والشغل الشاغل لدور النشر التي تتنافس على الظفر بمخطوطات دواوينهم. اضافة اعلان


وفي وقت ينظر فيه البعض بعين الإعجاب للظاهرة، فإن بعضا آخر يرى أن حالة من الاستسهال تشوبها، وهي ما تفسر -من وجهة نظرهم- الرواج اللافت للأسماء الشابة مؤخرا.

ماذا يقول المنخرطون في المشهد الشعري الشبابي عن ذلك؟

سلطان القيسي:

أنا لا أؤمن بالتقسيم المتري أو العمري للشعراء، فلقد قلت مرة في حوار لجريدة الاتحاد الإماراتية أن تصنيفا يسمي شاعرا بـ»شاب» يعني أن هناك شاعرا «عجوز» وهذا ما لا يتفق مع روح الشعر؛ إذ كان ماركيز يقول دائما أننا لا نتوقف عن الحب حين نشيخ، بل نشيخ حين نتوقف عن الحب، وهكذا الشعر أيضا، لذا فأنا أؤمن بتصنيف واحد ووحيد وهو إما شاعر جيد أو شاعر قبيح، بغض النظر عن عمره أو عن منابعه التي شرب منها.

عن ظاهرة الشعراء الجدد في الأردن، فأرى أنها مرتبطة بعوامل عدة، منها مثلا مواقع التواصل الاجتماعي، فحائط الفيسبوك يظل يطلب من الشاب أن يكتب شيئا مستفزا إياه بعبارة «ماذا يخطر في بالك» وقد يخطر في باله عبارة ذات جدة تجانب الشعر، فيحتفي به من لديه في قائمة الأصدقاء، فيصير هذا عاملا محرضا له للتوجه إلى الفعاليات الادبية، والتواجد في بؤر الكتابة والإبداع بأي صفة كانت، فكثير منهم كانوا يجوبون هذه الأماكن، معرفين أنفسهم بـ»أصدقاء للثقافة»، ثم صاروا يسخرون ممن لا يسمونهم شعراء محدثين، هذا من جانب، ولكن هذا لا يعني عموم الحالة، فهناك شعراء أثبتوا وجودهم قبل أن يثبت الفيسبوك وغيره وجوده، فأولئك الذين استطاعوا أن يثبتوا اسماءهم عن طريق الجريدة، أو المشاركة في أمسيات تقام من دون إعلام كاف وتحقق حضورا ولو انه كان حضورا متواضعا. وهم يستحقون الرعاية والاهتمام، إذ أن وجودهم في الساحة جاء من دون عوامل مساعدة، ما يعني أنهم استندوا على نصوصهم فحسب، فأذكر انه قبل شيوع مواقع التواصل كان نجاح أمسية شعرية يتطلب من 10-15 حاضرا يصفقون في نهاية الأمسية، بينما الآن نجد العشرات في أي حدث أدبي، ما يدلل على اهمية هذه المواقع كعامل تلميع، ومن ناحية أخرى فهناك من التف من هؤلاء الشباب حول شعراء من اجيال سابقة ما دعاهم إلى الاهتمام بهم، غير أن ثورة الاتصالات وفّرت قنوات جديدة للتواصل، فكان في السابق يلزم الواحد منا أن يقطع مسافة وقدرها، لكي يصل إلى مبنى الجريدة، ويقدم نسخة ورقية من قصيدته، ويدعو الله طوال الأسبوع ان يراها على صفحات الملحق الثقافي، وأحيانا تنتهي رحلته بأن لا يستطيع مقابلة مدير التحرير لأنه في إجازة، بينما الآن أصبح بإمكان البريد الالكتروني أن يصلك مباشرة مع مدير التحرير وإن كان في إجازة، كل هذه عوامل وضعت الضوء في يد الشاعر الجديد، ما مكنه من الوقوف تحت أشعته ليراه شعراء الأجيال السابقة والجهات المعنية بدعمه، ولكن الرهان يظل على مقدرة هذه الجهات على فرز الموهبة الجيدة ودعمها، وردع الأدعياء لئلا يستقر الحال بالشعر كما استقر بالأغنية العربية فيصبح بيتا من غير باب للرائح والغادي.



مهند السبتي:

إنّ نشوء الأصوات الشعرية الجديدة لم يكن صدفةً أو انتهازاً لمجال لم يعد يقف على بابه حرّاس اللغة والبلاغة، واشتراطات القصيدة كما يظن البعض أو ينتقد حلول هذه الأصوات.

ليس العمر وحده هو المسبّب لنشوء هذه التجارب ونفورها من محاولات التأطير، إنما باستطاعتنا الإشارة إلى عدد من الأصوات الشعرية الدافقة بالجديد والمغاير رغم عمر شعرائها المتقدم، لكنهم قلةٌ فقد وجد مجايلوهم من البقاء في أطرهم وأسلوبياتهم القديمة مأمناً ما، ولذلك كان من الطبيعي للجيل الشعري الجديد أن يغري المتلقي بالحضور والاستماع والدهشة بمنجزه، حين أخذ على عاتقه الاختلاف الجماليّ والخروج من المساحات المشغولة والمقلَّدة- المنهوبة عناصرها ومخاطباتها- أسلوباً ولغةً.

المشكّكون بالمنجز هم أعداء التجريب والجديد دائما، وهم لو تريّثوا وفكّروا قليلا لوجدوا أنّ الخلاف جماليّ، لأنّ الرداءة لن تكون محلّ إعجاب دائم، والجيل الشعري الجديد لا يصطفّ في مصافّ أحد، إنما ينطلق في اتجاه الغريب والمدهش، ولا يجوز إطلاق تهمة الاستسهال أو الرداءة على جيل بأكمله إن كان يقف في مجاله الزمنيّ بعض الطارئين على الشعر، الذين لا يمنحون لغتهم فرصة التطور بهدوء ولا يقرأون المتّفق والمختلف.

إنّ المجايلين لشعراء الجيل الجديد المتعثّرين برداءة خطابهم المبكّر، المأخوذين ببعض التصفيق الأعمى المضلّل لهم، هم لا يختلفون عن شعراء الأجيال السابقة ممن قلّدوا من سبقهم بما لا يخفى على سامع أو قارئ، وتدثّروا بمعاطف وألوان شعراء سبقوهم، وهنا يأتي الشعر الجديد الذي إذا كان يقصد المشكّكون تسميته بـ»الشابّ» للتقليل من بريق منجزه، إنما هو يضمّ بهذه التسمية كلّ شاعر من أيّ جيل شعري لم يركن إلى صوت قديم، بل احتواه وتقدّم بصوته الخاصّ المغاير إلى حدود التعبير المتفتّحة بين يدي تجربته، بكل ما فيها من محاكاة لعناصر حياتية متجددة وبأدوات إبداعية جديدة أيضا.

رامي ياسين:

في البداية أنا مع أن يكتب الجميع، مهما كان صنف الكتابة ومهما كان عمر الكاتب، فنحن باعتقادي نمرّ بمرحلة تاريخية فارقة في تاريخ الأمة العربية، وعلى الأمّة أن تفرز مثقفيها المجددين والمحدثين بأدواتهم الجديدة وأسلوبهم المبدع. والمتلقي هو الغربال الحقيقي للكاتب، وأنا واثق تماما بأنه لن يستمر في هذا الطريق الا الحقيقي. وعندي ملاحظتان على موضوع الكّتّاب الشباب: الأولى، نعم لقد شهدنا مؤخرا تفريخ كبير جدا لكتاب شباب من شعراء وقصاص وروائيين، بعضهم من نشر كتابا له وتبخّر بفعل التحدي والقسوة التي تجبرها الظروف على الكاتب، وبعضهم من اكتفى بنشر نتاجه على مواقع التواصل الاجتماعي واكتفى به بديلا عن العالم الحقيقي، وبعضهم من استمر، لكن الصفة الأساسية لأغلب الكتّاب الشباب من الجنسين هي ابتلاؤهم بأمراض النرجسية وتضخّم الذات، وعدم الاستماع الى النقد بحجة أنّ «جمهوري هو من ينقدني». الثانية، للأسف نحن لا نملك نقادا مثقفين حقيقيين يشكّلون استنادا حقيقيا لأي كاتب مبتدئ، النقاد معدودون على أصابع اليد رغم وجود جمعية كاملة للنقاد الأردنيين، متى ترى هذه الجمعية الوقت المناسب لها لكي تأخذ دورها الريادي بإطلاق المواهب الشابة والتي تستحق أن تستمر بعيدا عن الأمراض المنتشرة والتي سببها ضيق الأفق ونقص الخبرة وانعدام التجربة.



علي الزهيري:

إنّ هذه الظاهرة باتت أمراً لا يمكن إغفاله ولا التغاضي عنه. ولعل ثورة التكنولوجيا وتحديداً مواقع التواصل الاجتماعي كان لها الدور الأكبر في توسعة هذه الظاهرة وانتشارها. فقد أصبح القارئ قريباً من الكاتب بشكل يجعل درجة التأثر أعلى، بحيث تصل إلى التقليد أحياناً.

ولأن الأمر يجري من خلف الشاشات فإن المجاملات لا يحسب حسابها كما لو كانت في الواقع، وهذا ما يدفع الكثيرين لحمل لقب شاعر، مؤمنين أن تقييم الأصدقاء الافتراضيين هو التقييم الحقيقي فيبدأون بعيش حياة ليست لهم دون أن يملكوا أبسط الامكانيات الفنية واللغوية والنحوية وما إلى ذلك من أدوات أساسية يحتاجها الشاعر وهذا قد يؤثر على سمعة الشعر والشعراء الحقيقيين؛ فحين يجد قارئ أو متذوق ما أخطاء جمة لدى «شاعر منهم « سيسوء ظنه بالشعر الحديث وشعرائه وسيندب الشعر القديم ويبكي عصره.. وعلى الرغم من ذلك فإن هذه الظاهرة ستنتج أو ستفرز يوماً ما شعراء حقيقيين من وسط هذه الزوبعة. شعراء سيصمدون ويطوّرون قدراتهم ومواهبهم وفي نهاية الأمر ما هو حقيقي سيبقى، وأما الزبد فذهب جفاء.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة