الأربعاء 2025-03-05 04:58 ص
 

الكاتب الفرنسي جورج آرثر غولدشميت: كافكا كان انسانا سعيدا في نهاية حياته!

 
11:24 م

الوكيل - جورج آرثر غولدشميت كاتب ومترجم فرنسي من اصل الماني. ترجم العديد من الكتب لبيتر هانديك، كما ترجم بعض اعمال كافكا ‘المحاكمة’ و’القلعة’. اضافة اعلان

فضلا عن هذا، الف جورج غولدشميت كتابا عن فرانز كافكا بعنوان ‘الرجل الذي نبحث عنه يسكن بجوارنا’ (منشورات فيردييه 2007). اما سيرته الذاتية ‘عبور النهر’ (ساي 1999) فتستحضر طفولته الالمانية والجهد الذي بذله ليصبح كاتبا ومترجما. في هذا الحوار مع صحيفة ‘لوموند’ يسبر غولدشميت اغوار شخصية الكاتب العالمي فرانز كافكا.
يبدو ان الحياة العافية لكافكا ترتبط دوما بالمأساة. ‘من غير الممكن ان اكون عاشقا ما لم تكن النجوم اقرب اليّ من المرأة التي اصبو الى وصالها ‘هكذا يبوح كافكا بهذه العبارة لصديقه المفضل ماكس برود سنة 1921. على الرغم من فشله وخيبته في العديد من العلاقات العاطفية مع النساء، فان كافكا يرتمي في احضان كل مغامرة عاطفية جديدة بدافع الرغبة في الحب المطلق. هل يعود هذا الدافع لنزعة رومانسية؟ ام ان الامر له علاقة باليأس والمالنخوليا؟
ليس لهذا النزوع اي علاقة بالرومانسية او المالنخوليا.
ان الامر له علاقة بنوع من الاندفاع الداخلي. ما يؤجج العاطفة الحيوية لكافكا، هو اندفاع حركي الى الامام لا يتوقف ابدا. لو خمد هذا الاندفاع بداخل كافكا، لاصيب بالانكسار. كل مغامراته العاطفية تنطوي على نفس السلوك. يرتمي كافكا في احضان الحب باندفاع جارف لا يتوقف. وهنا يكمن سر القوة الخارقة لابداعاته الروائية. اذا كانت هذه الاعمال الرائعة تفتن القارئ الى هذا الحد فلأنه يجد فيها حركة وجوده الحميمي. يبرز نفس السلوك العشقي في مراسلاته العاطفية. تميز كافكا بحياة ايروسية عنيفة للغاية، تجلت بوضوح في كل كتاباته الادبية. في روايته ‘المحاكمة’، تبدو المرأة حاضرة بقوة، كانت لكافكا علاقة غريبة مع المرأة، كان يعتبرها فريسته الحميمة. الشيء الجوهري بالنسبة لكافكا، كان العمل على استمالة قلوب النساء واسرها دون مبتغى محدد. لم يكن ثمة من شيء كفيل بارضائه.
بعد فصول العذاب النفسي التي عاشها مع محبوبته فيليس باور، جولي وريزك، ميلينا جيزينزك، يلتقي كافكا مع دورا ديامانت. فيعيش قصة حب جنوني، واقعي، حسي. حتى انهما خططا معا لفتح مطعم في تل ابيب! ان صورة كافكا كانسان سعيد تبدو صورة غير واقعية. هل يفاجئك هذا الامر؟
لا، مطلقا، لان في اعماق كافكا، كانت توجد دوما سعادة خفية. من جهة اخرى، عرفت شخصا، كان مقرب من كافكا، حكى لي بانه كان يضحك كثيرا! كان كافكا انسانا سعيدا، لان بداخله كان ينبض هذا النوع من العاطفة التي لا تستكين. نعم كان كافكا سعيدا، لكنه كان سعيد بشكل مأساوي، لان تيارا عنيفا من اليأس والقنوط كان يخترق كيانه وينفذ الى اعماقه.
بخصوص علاقة كافكا بدورا، يبدو ان ثمة شيئا جديدا في حياة كافكا: كان يعيش تقريبا علاقة زوجية مع دورا ديامانت…
نعم، ولكن في هذه المرحلة، كان كافكا عمليا على شفير الموت.
هل تود ان تقول ان هناك علاقة بين الوهن والضعف الجسدي للكاتب واستقراره العاطفي؟
ليس بمقدورنا معرفة ذلك، كافكا وحده القادر على ان يبوح لنا بذلك. من المحتمل ان هذه المرحلة الاخيرة من حياته التي تخللها المرض، قد لعبت دورا في هذا الامر. لكن بخصوص هذه المسألة (علاقة مرض كافكا بالاستقرار العاطفي) فاني اعتقد انه ليس بامكاننا سوى التلويح بفرضيات. ومع ذلك، فانه من اللافت للنظر ان نلاحظ ان بين 1923 و1924ـ تميزت حياة كافكا بنوع من رباطة الجأش، وذلك ربما بسبب الاحساس بنهايته الوشيكة. لقد ظفر اخيرا بالمرأة المثالية، لان هذا اللقاء حدث في اللحظات الاخيرة من حياة كافكا. فالنساء اللواتي سبقنا دورا لم يخبئنا هذا النوع من السعادة المميتة التي عاشها كافكا في ايامه الاخيرة.
هذا هو السر الذي يغذي بلا شك الكتابات التخيلية والروايات التي تتناول سيرة حياة كافكا كما هو الشأن في رواية ‘روعة الحياة’ للكاتب مايكل كومب مولر…
لان حياة كافكا مثيرة ومغرية للغاية! اذا كان لكافكا كل هذا الصدى والدويّ، فلأن شخصيته كانت تتميز ببساطة مفرطة. بساطة تدفع المرء الى التساؤل عن كنه شخصيته. لا احد يمتلك الحقيقة بخصوص شخصية كافكا. ومع ذلك، فجميع الناس يعبرون عن تصورهم لحقيقة كافكا. وهذا هو الامر المذهل في الموضوع: كافكا هو العالم بأسره. كل قارئ هو كافكاوي على نحو ما. ومن هنا تنبثق اشكالية التمثيل السينمائي لاعمال كافكا. كان خطأ كبيرا اظهار كافكا وهو يسير في المحكمة (المحاكمة، اورسون ويلز، 1962)، بما ان كل مشاهد هو بنفسه كافكا يسير في اروقة المحكمة. لا يجب على المشاهد ان يرى ابدا كافكا، بما انه هو نفسه كافكا. ان الشخص الذي فهم بشكل رائع هذه الحقيقة هو المخرج مايكل هانيك، في اقتباسه المتميز والرائع لرواية كافكا ‘القلعة’ (التي عرضها على الشاشة سنة 1997). لا يرى المشاهد ابدا في هذا الفيلم الشخصية، فقط حركتها داخل القلعة.
في هذه المرحلة، كتب كافكا قصة ‘الجحر’، نص ادبي رفيع ومأساوي، غير انه لا يعكس تلك المرحلة من التهدئة والاستقرار العاطفي في حياة كافكا.
هذا صحيح، لكن هذا النص الذي كتبه كافكا لا يسمى بالالمانية ‘الجحر’، بل ‘البناء’. وهذا ما يشكل بالفعل تغييرا عجيبا في حياة كافكا. لان المصطلح الالماني ‘duabre’ يعني البناء كما تم انجازه، اي السرداب الذي حفره الحيوان وعمل على بنائه حتى يكتمل شكله. فالكلمة لها معنيان بالالمانية ‘الحفر والبناء’. اما الجحر بالفرنسية ‘etrreir’، فانه عنوان يطمس كليا المحتوى. والحالة هذه، فكافكا عنون بشكل صريح هذا النص بـ’البناء’ الذي يعكس حياة كافكا العاطفية مع دورا ديامانت: انه الشعوب بالحب قيد البناء.
لكن في هذا النصر ‘الجحر’ لا تعكس الكتابة الحياة المباشرة لكافكا، اي سيرته…
تم تجسيد حياة كافكا في هذا النص عن طريق الوعي بالذات الذي اكتسبه هذا الحيوان (كافكا) الذي انكب على الحفر والبناء. هذا النص تجسيد لواقع الحياة. هل بوسعنا اقامة روابط بين الحياة والكتابة على هذا المستوى؟ لا ادري. تزخر هذه القصة بقدرة عجيبة على اثارة التأويلات التي تبدو جميعها ممكنة. مرة اخرى، كل تأويل لحياة كافكا واعماله يبدو صائبا وله ما يبرره. لكن سيظل دوما تأويلا غير كاف وناقصا، مثل حياة كافكا نفسها: دوما في حالة من الترحال والتنقل للبحث عن المكان المثالي، مثل برلين التي لم يعثر عليها من جهة اخرى الا في اللحظات الاخيرة من حياته. يتم الوصول الى الحقيقة في لحظات الموت. ومع ذلك، لا ننجح في الوصول اليها! والا، فنحن جميعا هالكون! بالنسبة لكافكا الكمال شيء مميت.


 
 
gnews

أحدث الأخبار



 
 



 

الأكثر مشاهدة