اللامكان!

لم تعط فضائيات العراق الكثيرة لاحمد الجلبي اكثر من خبر وفاته بنوبة قلبية حادة. ولفت أحد المعلقين الى ان الرجل انصرف في سنته الاخيرة الى كلام بالارقام عن كارثة الفساد في البلد الشقيق.. وكان كلامه مقنعاً لانه ليس كلاماً انشائياً كالكلام الكثير الذي يملأ اجواء العراق.اضافة اعلان

واحمد الجلبي قادر على تركيب الارقام، فهو درس رياضيات في جامعة بيروت الاميركية، ودخل ابواب العمل البنكي ودهاليزه وانتهى به الامر معارضاً كبيرا في واشنطن ولندن، ثم حاكماً مهما في ادارة بريمر..وصانع بيت اسماه «البيت الشيعي».
ان ملف احمد الجلبي في الاردن ملف ضخم يتلخص في افلاس بنك البترا، وجرائم مالية بعضها تخليق بنوك غير موجودة كبنك مابكو في بيروت وكان غرفتين على سطح عمارة عالية ولافتة كبيرة على جدارها المطل على الشارع، وبنك سوكوفي في اوروبا، وفرع البترا في واشنطن.. وكانت ارقام «موجودات» بنك البترا تتنقل في حسابات هذه البنوك كما تتنقل حسابات المافيا، والنصابين.
وكان لاحمد الجلبي نفوذ في عمان لا حدود له، فالمال، والقروض، والعقار أحب الاشياء الى قلب الناس.
وكان الجلبي يحمل صورا لوالده مؤسس بنك الرافدين مع جلالة الملك المؤسس اثناء زياراته للعراق..
فجلالته له عند الأردنيين مصداقية عظمى.. فقد كان لهم الوالد، وولي الأمر، ورمز دولتهم الناهضة.
وقد كلفت استضافة الاردن لاحمد الجلبي 500 مليون دينار.. وكان انهياره مترافقا مع كارثة انهيار الدينار وفقده لنصف قيمته في نهايات 1988-89.
لقد انتهى الرجل كما ينتهي كل مغامر نصّاب. فقد اغلقت واشنطن ابوابها في وجهه، واتهمته بانه كان يقدم لها معلومات غير صحيحة، وتحريضية انتهت بتدمير «بلده». وقد اثبتت تحقيقات المخابرات انه كان عميلاً مزدوجاً لواشنطن وطهران. فخسر مداخله الى العاصمة الايرانية، ومجموعتها: حزب الدعوة، والمجلس الاسلامي، والصدريين. ولم يكن من السهل ان تجد بلدا خارج العراق يستضيفه.. كما استضافه الأردن.
مات احمد الجلبي ولم يبك عليه احد. ولعل مروره الثقيل على الأردن والعراق، درس نتعلم منه، في البلدين، مقياس فتحة الباب لدخول النصّابين، والعيارين، وابناء المخابرات الاجنبية.