جرعة جيّدة ومهمة من الجرأة والثقة استحضرها رئيس الوزراء الأسبق، وأحد أبرز السياسيين الأردنيين، طاهر المصري، في رحلة الذكريات (سياسي يتذكّر - مع الزميل القدير محمد الرواشدة). إذ مرّ في هذه الرحلة على محطّات تاريخية مهمة وحساسة ومفصلية في التاريخ السياسي المعاصر؛ منذ أحداث الـ67 إلى الوضع الراهن. وكان حديثه في حلقة أمس عن اللحظة التاريخية التي أعقبت تفجيرات عمان العام 2005، وتغلّبت فيها السياسات الأمنية على الاعتبارات الإصلاحية في البلاد، ثم ولّدت الصراع المعروف بين مراكز القرار!
على الطرف الآخر من تذكّر المصري، فإنّ النخبة العريضة والكبيرة من المسؤولين والسياسيين الأردنيين، السابقين والحاليين، يرفضون أن يتذكّروا، أو بعبارة أخرى أن يرووا لنا تفاصيل الأحداث التاريخية المفصلية والمهمة التي شاركوا هم خلالها في عملية صنع القرار، وكانوا جزءا من ديناميكيتها، أو شهوداً قريبين عليها!
هذا العزوف الكبير لدى سياسيينا، حتى أولئك الذين انتهى دورهم السياسي وكانوا أبناء المرحلة السياسية السابقة، يمكن تفسيره بأسباب مختلفة. فبعضهم يخشى من قول الحقيقة، وآخرون يرون أنّهم مؤتمنون على تلك الأسرار ولا يجوز الإفصاح عنها، بينما نخبة أخرى لا تريد أن تستعدي الآخرين وبناء خصومات وحساسيات.
لكن في المحصّلة، الخاسر الأكبر من ذلك هو الدولة والشعب والأجيال الجديدة؛ الذين لا يجدون ذاكرة وطنية حقيقية مشبعة، تروي لهم التفاصيل الدقيقة للأحداث المفصلية من الرؤية الأردنية. فأغلب ما نقرأه (باستثناءات قليلة) هي روايات الآخرين ومذكّراتهم وكتبهم. فإذا كانت ذاكرتنا الوطنية ليست من صنعنا نحن، هل يوجد أخطر من ذلك؟!
الخشية من المواجهة والحساسيات، والرغبة في السلامة الشخصية.. كل ذلك لا يبرر عدم القيام بهذه المهمة الوطنية. وما يزال هناك عشرات من الشخصيات الأردنية المهمة، التي ساهمت وشاركت في الأحداث الكبيرة خلال العقود الماضية؛ فهذه أمانة في أعناقهم. وأزعم أنّ الأجيال الجديدة ستتفاجأ بحجم العبء والمهمة اللذين حملهما الأردن في اللحظات التاريخية المفصلية، كما بحجم المسؤولية والألم نتيجة ذلك؛ على النقيض من الصورة القائمة، للأسف، عن الأردن ومسيرته السياسية، التي صيغت عبر الرواية المعادية دائماً.
ربما لا ينتبه كثيرون إلى أنّ أحد أهم أسباب الأزمة السياسية في البلاد هو ضعف الذاكرة الوطنية، وعدم وجود 'تواصل' ما بين السابق واللاحق. فذاكرة الوطن هي شخصيته وحلمه، وهو بلا ذاكرة يغدو شخصية هشّة رخوة ضعيفة، كما هي تماماً حال الإنسان بلا ذاكرة!
وطالما أنّ الأجيال الجديدة ليست على تماس مع ذاكرة الوطن التاريخية، فإنها تفتقد البوصلة في بناء رؤيتها لمطالبها السياسية ولمستقبلها. وربما هذا يفسّر، أيضاً، حالة التشتّت في الحراك، وغياب النسق الموحد في الرؤية والأهداف والمطالب!
كثيرٌ من الشباب يشيرون إلى وصفي التل؛ لكنّني أراهن أنّ أغلبهم لا يعرفون إلاّ الفتات عنه وعن شخصيته. والجميع يحتفل بتعريب الجيش ومعركة الكرامة، لكن من دون أن يقرأوا أو يعرفوا التفاصيل الدقيقة والمهمة لتلك اللحظات الدقيقة والحساسة، ومن دون أن يلمسوا حقّاً تلك الروح العنيدة التي حطّمت التحديات الصعبة!
الصمت ليس أمانة وطنية، بل يرقى إلى الجريمة بحق الوطن والأجيال الجديدة. فمن الضروري أن يتحدّث السياسيون بصراحة وعمق، وأن يقدّموا لنا خفايا الأحداث وأسرارها برؤية صريحة مكاشفة، بعيدة عن الدرجة الكبيرة من الدبلوماسية التي تحدّث بها أبو نشأت. فالمطلوب هو كشف حقائق، وتقديم معلومات ليست معروفة لدى الأغلبية، وربط الأحداث وتفسيرها، من دون الاكتراث كثيراً بغضب أو عتاب البعض، طالما أنّ المتحدث يتحرّى الموضوعية والعدل!
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو