الأحد 2024-12-15 07:36 ص
 

شحّ مائي غير مسبوق ينذر بكارثة بيئية في الأردن و لبنان

01:21 ص

الوكيل - يتشارك الاردن ولبنان، كما عدد كبير من دول المنطقة، حالة شحّ مائي غير مسبوقة تنذر بكارثة بيئية، خصوصاً في ظل انحباس الأمطار بشكل استثنائي هذه السنة وعدم تسجيل السدود لمعدّلات تخزين آمنة، بحيث لم يتعد مجموع ما خزنته سدود المملكة العشرة المنتشرة على طول وادي الاردن 170 مليون متر مكعب ،ما نسبته 52% من مجموع تخزين السدود الكلي البالغ 325 مليون متر مكعب.اضافة اعلان


أما في لبنان، ففي حين يتراوح منسوب بحيرة القرعون في مثل هذه الأيام بين 200 إلى 220 مليون متر مكعب، لا يتعدّى اليوم الـ42 مليون متر مكعب.

ويستهلك كل شخص في لبنان 180 ليتراً من المياه يومياً، وإذا احتسبنا معادلة وجود 4 ملايين مواطن ونحو مليون ونصف مليون لاجئ سوري- إن لم يكن أكثر- فإن ذلك يسجّل تفاقماً في استهلاك هذا المورد الحيوي.

المخاوف ذاتها تبرز هذه السنة في الأردن مع وجود ما يزيد عن مليون و 200 ألف لاجىء سوري في المملكة، ما يحتّم وضع خطة طوارىء لمواجهة الظروف غير المسبوقة، عبر تحديد البدائل للتعامل الدقيق مع الواقع المائي، الذي لا ينذر بالخير مع حلول اليوم العالمي للمياه، والذي يصادف اليوم في الثاني والعشرين من الشهر الجاري.

بدوره، يدعو تقرير «التعاون في مجال المياه من أجل عالم آمن»، الذي أطلقه رئيس المجلس الاستشاري للمياه التابع للأمين العام للأمم المتحدة الأمير الحسن بن طلال، نهاية العام الماضي، إلى «النظر للموارد المائية المشتركة العابرة لحدود الدول على أساس إنساني لا سياسي»، محذراً من «مشكلة عجز الثقة بين الدول المتشاركة في أحواض مائية، والتي تعتبر أكثر خطورة من العجز في المياه».

كما حذّر التقرير الذي أصدرته مجموعة «Strategic Foresight Group» من أن «تكون المياه سبباً في نزاعات مستقبلية جراء عدم وجود تعاون فعّال بين الدول التي تتقاسم أحواضاً مائية عابرة للحدود»، مستبعدا «الحرب بين أي بلدين يتشاركان التعاون المائي».

سدود المملكة في حالة صيام

إستذكار الحديث عن أهمية المياه، يتوازى مع إستمرار تدفق اللاجئين السوريين. فبالإضافة إلى ما تعيشه المنطقة من حالة غير مسبوقة من انحباس الأمطار، تشكل قضية اللاجئين السوريين تحديا مستمرا، يُضاف إلى تحديات أخرى تعانيها المملكة مائيا.

وتقدّر الاحتياجات الحالية من المياه للأغراض المختلفة بنحو مليار و 400 مليون متر مكعب للفرد، بعجز إجمالي سنوي يقدر بنحو 500 مليون متر مكعب، يضاف إليه الطلب الاستثنائي على المياه لوجود اللاجئين السوريين.

ووفقاً لوزير المياه والري حازم الناصر فإن «هذا الوضع يحتّم إجراءات غير مسبوقة لتجاوزها».

ويقول»المملكة مرت بانحباس مطري لم تشهده منذ عقود طويلة، وعلى الرغم من أن الأمطار التي هطلت في النصف الثاني من آذار خفّفت من حالة «صيام» السدود، غير أن معدلات التخزين لم تصل إلى حدود آمنة بعد».

ويزيد»ما احدثته امطار اذار قبل عدة ايام لا يتعدى انها اخرجتنا من الحالة السالبة الى حالة الصفر».

وأدّت الأزمة السورية التي تدخل عامها الرابع إلى زيادة الضغط على الموارد الطبيعية بما فيها المياه، حيث ارتفع الطلب على مياه الشرب للأغراض المختلفة وباتت الحاجة ماسة للتوسّع في مرافق شبكات المياه.

ويعتمد الأردن في موارده المائية بشكل رئيسي على الأمطار المتفاوتة من منطقة إلى أخرى تفاوتا كبيراً، والتي تتجمع في سدود تنتشر على طول وادي الأردن، يبلغ مجموع سعتها 325 مليون متر مكعب.

ويعتبر سد الوحدة على الحدود الأردنية السورية أكبر السدود الأردنية بسعة تصل إلى 110 ملايين متر مكعب.

وهذه السنة، بلغ مجموع تخزين تلك السدود حتى الخامس عشر من الشهر الجاري 170 مليون متر مكعب، ما نسبته 52 في المئة من المجموع الكلي لسعة السدود تستخدم في الري والاستعمالات المنزلية.

كما تبرز هذه السنة مخاوف من قلة تخزين السدود بوجود ما يزيد عن مليون و 200 ألف لاجىء سوري، ما يحتّم وضع خطة طوارىء، كون مصادر المياه المتاحة حاليا متذبذبة مع الخشية من أنها لن تفي بالمتطلبات التي يحتاجها قطاع المياه خلال الصيف المقبل.

وقد بدأت وزارة المياه والري إعداد خطة طوارىء لمواجهة الظروف غير المسبوقة، تقوم على وضع البدائل والخيارات المدروسة للتعامل الدقيق مع الواقع المائي.

ويشدد الناصر على أنه «حتى نتمكن من تنفيذ المشاريع الاستراتيجية لجلب مصادر مائية غير تقليدية لمواجهة العجز المائي الحالي والمستقبلي،و نناشد المؤسسات الدولية المانحة والهيئات الإسراع بوضع الخطط اللازمة للتعامل مع هذا الواقع بالتنسيق مع إدارة قطاع المياه بما يضمن كفاءة تزويد اللاجئين باحتياجاتهم المائية».

ويستهلك الفرد في مخيمات اللاجئيين السوريين من 30 إلى 35 لتراً من المياه يومياً، تزود من قبل منظمات دولية عن طريق صهاريج خاصة من آبار تابعة للحكومة الأردنية وأخرى خاصة يمتلكها مواطنون تبلغ يوميا بين 4200 إلى 4500 متر مكعب، وهي كمية كبيرة جداَ،وينتج عن هذا الاستهلاك نحو 80 في المئة من المياه العادمة، الأمر الذي يهدّد باستنزاف الآبار الجوفية.

وترى خبيرة المياه وأمين عام وزارة المياه سابقا ميسون الزعبي أن «إضطرار نحو مليون و 200 ألف سوري إلى ترك بيته بحثاً عن الأمن في الأردن، شكّل ضغطا ديموغرافيا مفاجئا على قطاع المياه وعبئا كبيرا ليس بمقدور الدولة الأردنية التعامل معه، ما يتطلب تضافر جهود المؤسسات الدولية والعربية كافة لتخفيف انعكاساته السلبية».

وتشير الزعبي إلى أن «المملكة التي يزيد عدد سكانها عن 6 ملايين نسمة، تعتمد بشكل كبير على مياه الأمطار لتغطية احتياجاتها، في حين يفوق العجز المائي السنوي 500 مليون متر مكعب».

مؤكدةً أن «توفير المصادر المائية وخدمات الصرف الصحي يعتبر من التحديات التي تتطلب إعادة تأهيل الشبكات، كما أن انشاء المخيمات ضمن مناطق الأحواض المائية يشكل خطراً على المياه الجوفية، الأمر الذي يتطلب اتخاذ الاجراءات الوقائية اللازمة لتجنب تلوث هذه المصادر».

وتوضح أن «دراسة حول الآثار الاقتصادية والاجتماعية لأزمة نزوح السوريين على الاقتصاد الوطني الأردني، أظهرت أنّ كلفة استضافة اللاجئ الواحد تصل إلى نحو 2500 دينار سنوياً،أما الكلفة في قطاع المياه، والتي تتحملها موازنة الحكومة الأردنية نتيجة استضافة اللاجئين في مراكز الإيواء أو في المحافظات وصلت عام 2011 إلى نحو 2.312 مليون دينار».

وتؤكد الزعبي أن «التحدي الأكبر الذي يواجهه الأردن حالياً هو استمرار تدفق اللاجئين السوريين عبر الحدود، ويشهد العجز المائي ازديادا مضطردا بسبب التزايد السكاني الطبيعي والهجرات القسرية والنشاطات الاقتصادية على الرغم من تنفيذ المشاريع المائية الكبرى، مثل مشروع جرّ مياه الديسي الذي يرفد الموازنة المائية الأردنية سنوياً بمئة مليون متر مكعب».



لبنان...واقع كارثي

ففي لبنان، ينذر الواقع المائي للسنة الحالية بكارثة بيئية، حيث يشكل انحباس المطر حالة استثنائية تستوجب وفق عدد من خبراء المياه مناشدة الجهات الرسمية المسؤولة عن القطاع تأليف خلية أزمة للتخفيف من الأضرار وحماية حقوق لبنان المائية من أجل تأمين أفضل خدمة للمواطنين بأقل كلفة ممكنة.

ويعتبر رئيس لجنة الطاقة والمياه النيابية في لبنان النائب محمد قباني أن «قضية المياه هي أكثر إلحاحاً، رغم شكاوى المواطنين منذ سنوات من أزمة الكهرباء»، نافياً المقولات المتردّدة من أن لبنان يعوم على بحيرة من المياه، وقد كشفت سنة الجفاف هذه كم أن وضعنا يحتاج إلى علاج سريع وجذري».

ويؤكد أنه «لا يكفي بناء السدود، إنما المطلوب وضع مخطّط عام توجيهي للمياه، مصادراً واستهلاكاً، يأخذ بعين الاعتبار الجغرافيا سواء بالنسبة للمصادر أو الاستهلاك، وكذلك وضع استراتيجية للمعالجة تشمل مختلف المصادر والمواقع».

ويقول قباني: «عندنا مشكلة مياه، ووجود عدد كبير من اللاجئين السوريين يزيد المشكلة إلحاحاً، لأن المياه هي الحق الأول من حقوق الإنسان».

ووفق دراسة أجراها البنك الدولي بعنوان «لبنان–التقييم الإجتماعي والاقتصادي للنزاع السوري»، حيث تمّ تحديد التكاليف الاجتماعية والاقتصادية للصراع السوري على الاقتصاد اللبناني، لخّصت التكاليف على قطاع المياه بخمسة ملايين دولار أميركي عام 2012 وكذلك عام 2013، إلا أنها باتت هذه السنة (2014) 8 ملايين دولار، ما يعني أن الكلفة الاجمالية على قطاع المياه جراء تدفق اللاجئين السوريين هي 18 مليون دولار أميركي.

أما حاجات الاستقرار المطلوبة لاعادة الاقتصاد إلى مستويات ما قبل الأزمة فتبلغ 340 مليون دولار أميركي بين عامي 2012 و 2014.

وتتحدّث أستاذة علوم صحة البيئة في الجامعة الأميركية في بيروت (AUB) الدكتورة مي الجردي عن «قلّة كمية الأمطار والغطاء الثلجي، علماً أنه كل 10 إلى 12 سنة تنخفض المتساقطات، ولكن الأهم أن نتحضّر لدورة التقلّبات المناخية، وهذا ما نفتقده، حيث جرت محاولات غير متكاملة في لبنان لوضع استراتيجيات لإدارة المياه، لكن المطلوب إدارة متكاملة لموارد المياه وتحديث القوانين وتفعيل شراكة بين القطاعين العام والخاص، وبالتالي ضرورة الكشف عن الـdata base الأساسية المخبّأة في الجوارير باعتبارها معلومات سريّة».

وتأسف كون «نهر الليطاني، الذي يعتبر من أكبر الأنهار في لبنان، شبه معدوم اليوم بسبب تعرّضه للمياه المبتذلة الصناعية والزراعية ومياه الصرف الصحي ونفايات البلديات، ما حوّله إلى مجرور يقضي على البيئة الايكولوجية للنهر. والجدير التركيز عليه، مشروع جرّ المياه من بحيرة القرعون على نهر الليطاني إلى العاصمة بيروت، ما يستوجب التأكد من نوعية هذه المياه ومدى صلاحيتها».

وتسجّل الدراسات انخفاضاً بمعدّل متر سنوياً في المياه الجوفية في حوض الليطاني والبقاع عموماً، وهذه كارثة حقيقية.

وفي ظل الواقع المائي المؤلم، وإشراف شهر آذار/مارس على الانتهاء، فإن لبنان بحاجة إلى كثافة ثلوج أو إلى أمطار متواصلة طيلة شهري نيسان/أبريل وأيار/مايو كي يصل إلى المعدّل المقبول نسبياً، وفق الجردي.

وفي حين بلغت كمية المتساقطة حتى 20 آذار/مارس من العام الماضي 825,6 ملم في بيروت والمطار، لم تتعدّ هذه السنة في مثل هذا اليوم 404,6 ملم، كما أظهرت مصلحة الأرصاد الجوية اللبنانية، ما يعني نصف الكمية تقريباً.

وتطالب الجردي بـ»تأهيل شبكات المياه وبتجميع المصادر التي تغذي الشبكات، لأن الأمن المائي قبل الأمن الغذائي»، متمنّيةً «وضع خريطة زراعيّة مشتركة على صعيد المنطقة العربية، ما يعزّز تسويق الانتاج وتخصص كل دولة بأصناف محدّدة، بما يوفّر المياه ويزيد الانتاجية».

هذا التقرير مشترك ينشر بالتزامن مع صحيفة «المستقبل» اللبنانية


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة