الأحد 2024-12-15 02:02 م
 

في الرواية السعودية: فوبيا الصورة الذكورية!

07:41 م

الوكيل - ثمة الكثير من الاسئلة حول طبيعة ما تحمله نظرة المرأة للرجل في مجتمع له تقاليده واعرافه ومفاهيمه وانماط فهمه للسلطة والحرية والعلاقة الاجناسية، اذ ستكون هذه الاسئلة مقدمة لقراءة العديد من الملفات الاجتماعية والثقافية، وخاصة ما يتعلق بالمنظور الذي ترهص به انماط الكتابات السردية، تلك الكتابات الضاجة برعب المهيمنات والتابوهات. اضافة اعلان

ولعل الكتابة النسوية واحدة من السرديات التي خرقت المألوف، واثارت في هذا السياق اسئلة من نوع اخر، اسئلة تلامس ماهو سري وماهو مسكوت عنه، اسئلة تستغرق الجسد، اسئلة المكان، اسئلة الحرية، اسئلة العلاقة الملتبسة بين الرجل والمرأة، وقدرة المرأة على البوح اوالتعبير عن هذا اشتباكات هذا العالم السردي، والاعلان عن نفسها داخل فضاءاته الثقافية والحسية والتعبيرية في مجتمع له خصوصياته ومهيمناته واعرافه المغلقة؟ وهل يمكن للكتابة السردية التي تكتبها المرأة، ان تقترح هوية اخرى لبطولة هذه المرأة في المجتمع وفي نظرتها للرجل او في سياق علاقتها معه؟
هذه الاسئلة هي الاكثر الحاحا في الاثارة ازاء ما طرحته الكاتبة السعودية نورة القحطاني في كتابها المثير (صورة الرجل في الرواية النسائية السعودية) الذي تضمن مجموعة من الدراسات الاكاديمية للعديد من اعمال الروائيات زينب حفني وليلى الجهني وامل شطا ونورة الغامدي وسلوى دمنهوري وغيرهن، اذ انطلقت الباحثة من فكرة البحث في سرائر عوالم المرأة النفسية والاجتماعية وما تضمنته من صراعات واسئلة ومواقف، تلك التي تشكلت عبر وعيها الاشكالي بالمكان/ البيئة بكل تداعيته وآثاره ومحرماته، فضلا عن المكان النفسي الذي يتشكل عبر التباسات وعيها السري، الوعي الاحتجاجي، الوعي المسكون بغواية البوح والاحساس بالاغتراب ازاء علاقات تسحب من المراة احساسها ولذتها بالرجل والحرية والجسد، فضلا عن مايقدمه من اقتراح لمقاربة ما تكتبه المراة كبنية سردية تتفجر فيها التخيلات، والاستيهامات، والوظائف الرمزية ازاء طبيعة بنيتها الاجتماعية المغلقة، حيث تبدو هذه البنية السردية وكأنها استحضار وظيفي يستعين بفعل الكتابة بوصفه الرمزي والتطهيري كمواجهة اشباعية تسودها الكثير من نزعة الدفاع عن الذاتوية، مثلما تتمظهر فيها قوة الذات الحافظة لنوعها، هذه الكتابة تشيء بوعي استثنائي ازاء شكل المهيمنات الابوية والنمطية النافذة. ورغم وجود بعض الهنات الاسلوبية في هذه الرواية او تلك، الاّ ان ما نلمسه يؤشر خصوصية هذا الوعي اولا، وطبيعة ما تحمله هذه او الظاهرة من مؤشر عن ارهاصات اجتماعية داخل بنية المجتمع المغلق. هذه النزعة الصراعية الخبيئة والساكنة التي كشفت عنها الكاتبة، والتي كثيرا ما توسم به تلك الروايات وانماط كتابتها، خاصة ما يتعلق بالايقاع البطيْ، والميل الى التورية والرمزية، فضلا عن ما يشوبها من العديد من الالتباسات، تلك التي لم تحرر من عقدة الذات المرآوية، وعقدة الرجل/الاب، والرجل/ الزوج، والعقدة العميقة الاخرى للرجل الغائب/الحبيب بكل استحضاره الرغبوي والذي يبدو شاحبا في اغلب الروايات المختارة، حيث تمثل هذه العقد مهيمنات ضاغطة، كثيرا ما تنعكس على نمطية الكتابة، وما يمكن ان تكرسه من صور تقليدية لحياة المرأة في المجتمع السعودي بعلاقاته العمومية وانماطه ذات المرجعيات الابوية السائدة.
لقد كانت الصورة التي التقطتها الباحثة للرجل في الكتابة النسائية غامضة وربما سيئة الى حد ما، اذ هذه ان الصورة مستلة من السياق الاجتماعي وليس من السياق الثقافي، ومن اجل ان تضع هذه الصورة في اطارها المنهجي عمدت الى اعادة قراءة مفهوم الصورة عبر التاريخ، وكان هذه القراءة تمنح بحثها تقعيدا علميا . رغم ان الضرورة النقدية تتطلب مقاربات تتراكب فيها الوظيفة المنهجية مع الوظيفة القرائية، وبما يقترح للفعل النقدي مجالا للتوافر على معاينات نصوصية تتجاوز السياق، وباتجاه ان تكون القراءة كشفا وتاسيسا، تلامس البنية السردية ليس بوصفها بنية للمتخيل، بل وظيفة لاستكناه الهويات السردية التي نتعرّف من خلالها على مجموعة التحولات الحادثة في البيئة السعودية، وفي متغيراتها الاجتماعية والديموغرافية، فضلا عن الصراعات في البيئة المدينية المفعمة بالعديد من التغايرات التاريخية والصراعية، خاصة خلال سنوات التسعينات التي شهدت فيها البيئة السعودية تحولات مهمة ومثيرة للجدل، والتي عبرت عنها بعض انشغالات المشهد السردي في الرواية السعودية، لاسيما الرواية التي تكتبها المراة، اذ باتت هذه البيئة المتحولة، بيئة للكثير من الحكي، الحكي الذي يلامس الكينونة، وتاريخ الكائن، مثلما يكشف عن التحولات الاسلوبية والثيمية في تاريخ الحكي الروائي، وتاريخ المكان، وبما اسهم في ان يضعهما في سياق توليدي ينفتح على التلون الصوري، التلوّن الذي يلامس مجرى الحاك في البنيات الداخلية الدرامية والنفسية القريبة من من ما تجسده الصورة المعبرة عن تشكيل الهوية السردية كما يقول بول ريكور.
ان تحديد الاطار الزمني لبحثها عبر ثلاث عشرة سنة(1990-2003) يمثل رصدا لمجموعة من العوامل الاجتماعية/الثقافية التي عاشتها المرأة السعودية ازاء تحولات اجتماعية وثقافية عميقة بدأت تتشكل داخل المجتمع السعودي اسوة بمجموعة من المتغيرات الكونية والاقليمية والعربية داخل الفضاء الخليجي، خاصة بعد مرحلة تحرير الكويت وما خلقته من هزات اجتماعية معقدةعلى منظومة العلاقات الاجتماعية الثقافية السياسية داخل الفضاء الخليجي.
فكيف هي صورة الرجل عند المرأة في الرواية السعودية ما بعد التسعينات؟ وهل استطاعت الباحثة ان تقدم تصورا موضوعيا عن هذه الصورة؟ وهل ان النمط الضاغط لشكل العلاقات الاجتماعية/الابوية في المجتمع فرض سياقه بالاتجاه الذي يجعل صورة الرجل مشوهة وغير واضحة؟ وهل ان الباحثة قاربت تهويمات المخيلة الشعبية، تلك التي جعلت الرجل قاسيا وشاذا؟ وهل انها اعتمدت منظورا علميا يسند منهجيتها البحثية ووفق ما قدمته لنا الدراسات العلمية في علوم النفس والاناسة والاجتماع؟
ان تأمل العلاقة الاشكالية بين الرجل والمرأة داخل فضاءات العلاقات الاجتماعية الحادة، يعني ان هذه العلاقة تكشف عن مستويين ظاهر وسري، اذ يبدو المستوى الظاهر محكوما بمعطيات القانون الاجتماعي العام، بينما يظل المستوى السري هو الاكثر توليدا والاكثر توهجا والاكثر اشراقا في مقاربة فعل التخيّل السردي، مثلما هو الاكثر استدعاء للقراءة العميقة الكاشفة، قراءة المجاورة وتلمس البوح الانثوي، لانها ستكون الاقرب الى مقاربة ماهو جوهري وماهو قريب من روح المرأة في خوفها وقلقها واعترافها والتماهي مع خطاب انوثتها المضمرة. واحسب ان الروايات الجديدة في الادب السعودي قد لامست بجرأة الكثير من هذا المعطى، وقدمت لنا نموذجا اكثر استغراقا في التعاطي مع مشكلات الوجود والحرية والجسد، وازمة العلاقة مع الرجل.
ازاء هذا الانشغال النقدي المنهجي نجد الباحثة- رغم جديتها في وعي فعل المكاشفة- الا انها لم تتجاوز اليات البحث التقليدي في مقاربة هذه العلاقة الاشكالية، وطبيعة الصورة الشاحبة للرجل في النص النسائي، اذ يبدو الرجل في كشوفاتها وكأنها يحمل ذات الصورة التي يمثلها الاب القديم صانع القسوة، وصانع الشقاء، وحاكم الرغبة، وان المرأة لم تكتب تحت هذه المهيمنات الاّ نص احتجاجها على هذا الرجل، وكأنها فعلا تستبطن موقفا قصديا ازاء الرجل وازاء نسقه الفحولي المضمر كما يسميه عبد الله الغذامي باعتباره رمزا للذكورة القامعة، مقابل رمزية الانوثة المضطهدة. وهذا بطبيعة الحال يجعل البحث ينحو باتجاه رسم صورة سلبية عن رمزية الرجل في ذكورته، مستندا الى مجموعة من الروايات التي تعمد الى تكريس هذا الاتجاه.
ان السعي الى هكذا كتابات يكتسب اهميته وضرورته، كونه جزءا من رسالة علمية اكاديمية انطلقت من فضاء اكاديمي محكوم بمعايير منهجية واخلاقية في جامعة الملك عبد العزيز في جدة، الا انه ايضا يرهص بمسؤولية تفترض المواجهة، وايضا على وفق السياق العلمي البحثي الذي يعزز وظيفة الكشف بوصفه يقوم على معاينة سسيوثقافية، ونقدية، وبوصفه يتعاطى ايضا مع موضوع حساس وحيوي، وهو مايعني تجاوز للسياق، والانفتاح على فضاءات الحراك الثقافي العلمي والنقدي الذي بدأت الكثير من مظاهره تتضح داخل المشهد الثقافي والاكاديمي السعودي والخليجي بشكل عام.
حرص الباحثة على منهجيتها، وعلى طبيعة اختيار موضوعها يكشف عن الحاجة الى جدة الفعالية النقدية وضرورتها، ليس لتكريس الفعالية الاكاديمية على وفق معطياتها العلمية البحثية والمنهجية والتوثيقية، بل بحساب ما اخذت ترسمه الرواية السعودية الجديدة والرواية النسوية بشكل خاص من معطيات جديدة وسمات اسلوبية وفنية وثيمية فيها عمق تلمس التغايرات والتحولات التي باتت السردية السعودية عتبتها الاكثر اثارة والاكثر توهجا…


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة