الوكيل- تحدث المفكر العربي الدكتور عزمي بشارة عن مفهوم الطائفية وتحولاته التاريخية وصولا إلى نشأة الطائفية السياسية في منطقة المشرق العربي، موضحا في محاضرة له خلال مؤتمر المركز العربي عن 'الطائفية والأقليات' الذي انطلق في الأردن اليوم، أن بروزها بمعناها المعاصرِ وليد استغلال الاستعمار للمنظومةِ الاجتماعيةِ القائمةِ، ثم طريقةِ تأسيسه لقواعد بناء الدولةَ التي ستَرِثُها الدولةُ الوطنيةُ المستقلّةُ بعد ذلك.
وقال إن الطائفيّةَ السياسية التي تستثمر التَبعيّةِ لدِينٍ أَوْ لمَذهبٍ ديني لتحويلِ أتباعِ هذا الدينِ إلى جماعةٍ تُحافظُ على نفسِها في وجهِ كل ما تراه تهديدا لها، ثمّ تحويلها إلى قوّةٍ سياسيّةٍ لها مطالبُ من الدّولة، هي ظاهرةٌ ترافقت مع نشوء الدّولةِ الحديثة.
وقال أيضا إنّ الطائفيّةَ السياسيّةَ رَفَعَتْ رأسَها في بلادِنا وازدَهرَتْ معَ فَشلِ مَسارَي الدّولةِ الوطنيّةِ الحديثةِ القائمة على المُواطنة، والديمقراطيّةُ؛ مؤكدًا أن الاستبدادُ الذي استَخدمَ الأيديولوجيةَ السياسيةَ القوميةَ لخِدمةِ سَيطرتِه ونُظُمِه السياسيةِ، وفَرَضَها على العربِ وغيرِ العربِ، أجَّجَ الطائفيةَ، ومَنَعَ تكوُّنَ المواطَنةِبوصفِها انتماءً للدولة لا يحتاج إلى الطائفةِ أو العشيرةِ أو الولاءِ للسُّلطانِمن أجل تكريسه.
وتطرق الدكتور بشارة إلى نماذج للطائفية السياسية في واقع المشرق العربي، مستغربا أن الدولةَ اللبنانيةَ أَعادتْ إنتاجَ الطائفيةِ بعدَ الاستقلالِ بديناميةٍ مؤسسيّةٍ أَقْوى ممَّا كانَتْ عليْهِ في مرحلةِ الانتداب. وفي المقابل فإن مراجعةُ تاريخِ العراق تظهر أنَّه ليس له تاريخٌ في الطائفيّةِ السياسيّةِ، وأنَّ تحويلَ الطائفيّةِ الاجتماعيّة إلى طائفيّةٍ سياسيّةٍ هو مِنْ نتائجِ التدخُّلِ الأميركي في العراق وضَرْبِ الدّولة، والتدخُّلِ الإيراني، وجرَى بعدَ الاحتلال تبنِّي نظامٍ ديمقراطي مِنْ حيثُ الشّكْل، في حين يجري تنظيمِ السكّانِ سياسيًّا على أساسٍ طائفيٍّ، وتتعامل الدولةِ معَهم على الأساسِ نفسِه، ما جعَلَ الديمقراطيةَ أداةً في تطيِيفِ الدولةِ وأجهزةِ القمْعِ مع تهميشِ الطوائفِ الأخرى. وهذا بالطبعِ أَسوَأُ مِن النظامِ الطائفي.
ويرى بشارة أن تاريخُ المشرقِ العربي يثبت أنَّ التديّنَ السياسيإذَا وقعَ في مجتمعاتٍ متعدّدةِ الطوائفِ وتُعانِي أصلًا مِنْ عدمِ استقرارٍ في هُويّتِها الوطنيةِ أو القوميةِ، فإنَّه يَؤُولُ بالضرورةِ إلى طائفيةٍ سياسيةٍ، ويَستخدِمُ الطائفيّةَ في التحشيدِ خلْفَه.
واعتبر الدكتور عزمي أن ظهور نموذج الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) هو نتيجة لقاء شديد الانفجار بين السلفيّةِ الجهاديةِوالطائفية. والأخطر أنَّ هؤلاء تكفيريّونَ وليسُوا طائفيِّينَ فحَسْب،ويمثِّلون نُكوصًا إلى مرحلةِ ما قبلَ الطائفيةِ التي نَعرِفُها إلى مرحلةِ الحروبِ الدينية. هذا إضافةً إلى أنَّهم لا ينتَمونَ لأَيِّ حدودٍ معروفةٍ لطائفةٍ، بل يمثِّلونَ إِحياءً كارثيًّا مشوّهًا لمَفهومِ الأمّةِ والخِلافةِ، ما قبْلَ الدولة، وما قَبْلَ حتّى الطائفيةِ المعترِضةِ على الدولة. ولا يُمكنُ أَنْ تنتهيَ هذه الردَّةُ الكبرى عن التمدُّنِ العربي إلّا بِمَأْساة.لكنه يرى أن 'داعش'أوصلت الأمور إلى نهايَتِها القُصْوَى الكارثيَّةِ، وهو ما سيفرض بعدَها مُراجعاتٌ علَنيّةٌ لأُمورٍ كثيرةٍ كان مَسكوتًا عَنْها في تاريخِنا.
وافتتح المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات اليوم أعمال مؤتمر 'المسألة الطائفية وصناعة الأقلّيات في المشرق العربي الكبير' الذي ينظمه على مدى ثلاثة أيام في الأردن، بمشاركة كوكبة من الباحثين المتخصصين والشخصيات العلمية والثقافية العربية. وشمل افتتاح المؤتمر أيضا محاضرتين رئيستين للدكتور برهان غليون والدكتور أحمد بيضون، وتلا ذلك ثلاث جلسات من أعمال المؤتمر.
وأشار رئيس مجلس إدارة المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الدكتور طاهر كنعان في استهلال الجلسة الافتتاحية إلى الأهمية القصوى التي يكتسيها تنظيم المركز العربي لهذا المؤتمر في السياق العربي الحالي الذي يشهد صعودا للطائفية على نحو يهدد بتحويل المنطقة إلى دويلات فاشلة.
وأكد أن المركز اختار هذا الموضوع محورا للنسخة الثالثة من المؤتمرالسنوي العلمي الثالث في قضايا التحول الديمقراطي، الذي خصص نسختيه السابقتين لموضوع 'الإسلاميون والحكم الديمقراطي'، انطلاقا من رؤية المركز لضرورة أن يساهم المجتمع البحثي العربي في تشخيص الأوضاع في العالم العربيّ وتحليلها.
وأوضح أن المركز قدم خلال ثلاث سنوات منذ تأسيسه مساهمات مهمة في هذا الإطار، مشيرا إلى الإنتاج الفكري الذي يوفره للباحثين ولصانعي السياسات بما في ذلك إصدار ما يقارب 100 كتاب علمي محكم ورصين، وإصدار ثلاث مجلات علمية محكمة متخصصة وسيصدر اثنتين أخريين قريبا.(الغد)
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو