الأحد 2024-12-15 12:23 م
 

مخيمان عشوائيان للاجئين السوريين بعمان

01:04 ص

الوكيل - ليس صعبا أن ترى في أطراف العاصمة عمان مخيمين أنشأهما لاجئون سوريون معظمهم من محافظة حماة السورية.. ارتأوا أن ينشئوا، على عاتقهم مخيمين، لا يحملان اسما، وليسا مسجلين رسميا، وتكفلوا 'بتأمين الأمن والحماية، وتدبير تمديد الكهرباء وإيصال المياه، وبناء الوحدات الصحية'.اضافة اعلان


المخيمان يفتقران للكثير من الخدمات، والبنية التحتية على عكس مخيم الزعتري، الذي بات أشبه بمدينة مخدومة بشوارع معبدة ومحلات تجارية، ووفرت له السلطات المحلية الأمن والحراسة، ثم ما لبث معظم سكانه أن انتقلوا للعيش في كرفانات 'بيوت متنقلة'، ليصبح أشبه ما يكون بمدينة سكنية مكتملة العناصر للحياة الكريمة.

ورغم افتقار المخيمين الجديدين العشوائيين إلى كل ما ذكر، إلا أن سكانهما من اللاجئين السوريين الذين اختاروا العيش فيهما، في منطقة خريبة السوق، داخل محافظة العاصمة، وقرب سوق الخضار المركزي، يقولون، 'إن ما يعجبهم في مكان سكناهم هو الحرية التي يتنفسون هواءها، والأمان الذي يعيشون فيه'، وهو ما يفتقر إليه مخيم 'الزعتري'، بحسب زعمهم.

المخيم الأول والأكبر حجما، يبلغ عدد سكانه حوالي 375 شخصا، يتوزعون على حوالي 150 خيمة، وبحكم موقعه بجانب سوق الخضار والمصانع المنتشرة في المنطقة، فهو يوفر لهم فرص عمل، وإن كانت شحيحة ومؤقتة.

ويعزو سكان المخيم اختيارهم الأردن كبلد لجوء، إلى أنه 'الدولة العربية الأقرب إلينا لناحية العادات واللغة والتقاليد'، رغم أن تركيا هي الأقرب جغرافيا إلى محافظات مثل حماة والرقة.

والحرية بالنسبة لهؤلاء اللاجئين، تتمثل في تنقلهم أينما أرادوا، ووقتما أرادوا، والبحث اليومي عن العمل ولقمة العيش، رغم شكواهم لـ'الغد' خلال جولة لها في المخيم أول من أمس الخميس، من البطالة وضيق ذات اليد، 'فصحيح أن حرية الحركة متاحة، إلا أن أبواب العمل مغلقة في وجوههم، لغياب تصاريح العمل' بحسبهم.

أبو ياسر، أحد اللاجئين في المخيم، وصف نظراءه من اللاجئين السوريين في 'الزعتري' بـ'المحبوسين داخل شيك'، مشيرا إلى أنه 'يعمل براحته أحيانا بالعربة التي ينقل فيها الخضار'.

ويقطن أبو ياسر، مع زوجته وأولاده ووالده ووالدته في خيمتين متلاصقتين، قام ببنائهما بنفسه، باستخدام مواسير الحديد والقماش الجلاتيني والخيش يخدمهما حمام، ويستخدم مدفأتين تعملان بالحطب لأغراض التدفئة.

ويشير أبو ياسر، إلى جهاز التلفزيون و'صحن الستالايت' المشبوك به داخل الخيمة، ومصابيح الإنارة المتدلية من سقف الخيمة، والتي تستمد جميعها التيار الكهربائي من سلك تم تمديده من مصنع قريب، وأن التكلفة يتم اقتطاعها، من أجرة عمله المتقطع في المصنع، المتخصص بتعبئة ونقل الخضار والفاكهة وتصديرها.

وفيما تمكن بعض اللاجئين، من العمل في السوق الأردنية، إلا أن من يعمل منهم، يصر على ان هذا العمل يتخذ نمطا 'متذبذبا' وليس دائما، 'بسبب التفتيش الأمني المستمر على تصاريح العمل'.

وأكد لاجئون خلال حديثهم مع 'الغد' أن جميع سكان المخيمين دخلوا المملكة بطريقة نظامية، أي عبر النقاط الحدودية الرسمية، وتم ختم جوازات سفرهم بالدخول ويملكون وثائق ثبوتية.

ولدى جميع سكان المخيم، بطاقات لاجئين، التي تمنحها مفوضية الأمم المتحدة، والتي يعتبرون بموجبها، 'لاجئين مسجلين رسميا لدى المنظمة الأممية'، كما تعطيهم هذه البطاقات الحق في الحصول على قسائم شهرية (كوبونات)، لشراء السلع الغذائية فقط، كما تتيح لهم الاستفادة من الخدمات الصحية التي توفرها المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية.

ومن جهتها، لا تبخل الجمعيات الخيرية، بتزويد اللاجئين بالمدافئ والبطانيات، إلا أن الحاجة تظهر على وجوه الجميع، 'فكوبون المفوضية تصل قيمته إلى حوالي 24 دينارا شهريا للفرد الواحد فقط، ولا يتيح هذا الكوبون شراء اي سلع غير غذائية، مثل مواد التنظيف او اية لوازم اخرى، تتوفر في مراكز التسوق المحددة'.

وبخصوص الأرض التي أنشأ هؤلاء اللاجئون المخيم عليها، فتعود لصاحب مصنع قريب لم يعترض على إقامتهم، بحسب قولهم، وهم من جهتهم يصرون على البقاء فيها، إنهم يؤكدون ذلك بقولهم، 'طالما لم تعترض الحكومة ولا صاحب الأرض.. فإننا باقون ولن نغادر، حتى يعود الأمن لبلادنا'.

وفيما تتناثر بعض الأغنام عند مداخل بعض الخيام، أفاد أحد اللاجئين أن هذه الأغنام ليست له، وإنما لمواطن أردني يسكن في منطقة قريبة تركها لديهم كي يرعوها، إلا أن آخر اعترف أن ملكية ثلاث أغنام فقط تعود إليه، ويستفيد من حليبها ولبنها، إلا أن آخرين بدأوا بتربية الدواجن لغايات الاستفادة من لحمها وبيضها.

ولا يخلو المخيم الصغير، من خيمة أطلق عليها مجازا مسمى 'صف مدرسي'، بمبادرة من أحد اللاجئين الذي كان يعمل مدرسا في بلاده قبيل اللجوء.

ويقول المعلم ماجد، الذي وصل المملكة قبل حوالي ستة أشهر وفضل عدم نشر اسمه كاملا، وهو حال معظم اللاجئين الذين يمتنعون عن التصريح بأسماء عائلاتهم لوسائل الإعلام لأسباب تتعلق بالأجهزة الأمنية السورية، 'بمبادرة شخصية مني قررت تعليم الأطفال الصغار الذين لا يلتحقون بالمدارس'.

ورغم أن المدارس الحكومية الأردنية تتيح لهم الدراسة، إلا أن بعد المسافة يقف عائقا أمام الالتحاق بهذه المدارس، فهم بحاجة لمواصلات، وهو الأمر الذي لا يقدرون عليه يوميا.

ويوضح ماجد 'قمت بتسجيل 65 طالبا في مدرسة أبوعلندا للإناث بدوام مسائي، لكنهم لم يتمكنوا من الالتزام لبعد المسافة'.

لذلك بادر المعلم ماجد ببناء خيمة، باستخدام الخيش والمواسير، وثبت فيها لوحا 'سبورة'، وبضعة ألواح خشبية كطاولات صفية، ليساهم قدر الإمكان في 'محو أمية' هؤلاء الأطفال، الذين قسم كبير منهم مهددا بها.

التدريس داخل الصف، ينصب على الأساسيات، كالأحرف الأبجدية وتركيب الجمل، وجدول الضرب في مادة الرياضيات، والدين، بالإضافة إلى مبادئ في اللغة الانجليزية.

يحضر الى الصف يوميا حوالي 35 طفلا وطفلة، من أصل اكثر من 150 طفلا يقطنون المخيم، بحسب معلمهم، والذي يصر على مسعاه بإلحاق من هم بعمر الدراسة، في المدارس الحكومية القريبة، بداية الفصل الدراسي الجديد.

بعض الطلبة في الصف، ممن هم في مستوى الصف الثالث الابتدائي، 'لم يدخلوا مدارس قط' في حياتهم، نظرا لخروجهم من سورية قبيل التحاقهم بالصف الأول الأساسي، والكثير منهم لا يجيد القراءة ولا الكتابة، و'على الأغلب أميون'.

من جهتها، تقول الطفلة هبة، 'إنها في التاسعة من عمرها ولم تدخل المدرسة قط، ولا تجيد القراءة ولا الكتابة'، أما زميلتها هدى (7 أعوام)، فبينت أنها تجيد القراءة ولا تجيد الكتابة، فيما عبر أطفال آخرون عن إجادتهم القراءة والكتابة سابقا، إلا أنهم قلقون من أعوام دراسية تنقضي من عمرهم هدرا.

'نحتاج لملابس شتوية للأطفال والكبار وكذلك للمدافئ، والبطانيات والأخشاب كوقود للمدافئ، ولمساعدات نقدية كي يتسنى شراء حاجاتنا'، بهذه الكلمات عبر سكان المخيم عن حاجاتهم.

وعن تاريخ إنشاء هذا المخيم، تبين انه اقيم على أرض كانت تحتوي على خيام لعائلات سورية كانت تحضر الى الأردن للعمل، بشكل مؤقت قبل اندلاع الأزمة السورية، مطلع العام 2011، خصوصا في مواسم قطاف الزيتون، وفي تغليف الفاكهة، ثم تعود ادراجها الى سورية عند انتهاء عملها.

ولاحقا، انضم اليهم بقية السكان اللاجئين الفارين من حرب بلادهم، وتدريجيا بدأ المخيم بالاتساع، حيث وصل الى ما هو عليه خلال العام الحالي فقط.

من ناحيته، يقول مختار المخيم، حسين الرملة، والذي كان مختارا في قرية السروج في حماة، انه لم يحصل 'ان تعرضنا لمضايقات من احد ولم يطلب منا احد إزالة الخيام، منذ سكنا المخيم'.

ويشير الرملة إلى أن المخيم يسمى بـ'مخيم السوق المركزي'، لقربه منه، مكررا شكاوى اللاجئين من 'ملاحقة الحكومة لمن يعمل بدون تصريح'، متمنيا منحهم تصاريح عمل مؤقتة تراعي ظروفهم الإنسانية، ريثما يعودون إلى بلادهم.

وفي رده عن سؤال حول المانع من انتقالهم الى مخيم الزعتري في محافظة المفرق، يقول 'أهل هذا المخيم اعتادوا على الحرية ولا يستطيعون السكن في الزعتري، وكلنا أمل بالعودة الى سورية بعد انتهاء الحرب'.

ويعبر ايضا عن أمنيات اللاجئين، بأي 'لا تتقسم بلادهم'، وبأنهم يقبلون بكل الأطياف السورية، ومنهم العلويون.. 'نقبل يأي مواطن شريف من كافة الأديان كرئيس لسورية، بعد تنحي الرئيس بشارالأسد'، بحسب قوله.

ويروي المختار بعض المشاهدات من بلدته، وما وصفه بـ'جرائم النظام السوري'، بحق افراد من اسرته، وهو ما دفعه قسرا للفرار خوفا على حياته وحياة أفراد عائلته.

ويصف الوضع في بعض المدن السورية بقوله 'المستحيل هو ان تعيش هناك بدون ان تتعرض حياتك للخطر والموت'.

وفي هذا الصدد، يشكر المختار الحكومة الأردنية لاستقبالها مئات الآلاف من اللاجئين السوريين وكرمها المتمثل باستضافتهم، بكل طيبة خاطر، مؤكدا انه لم يسمع عن أي لاجئ سوري، تعرض لأية اساءة من قبل السلطات الأردنية.

لاجئ آخر 'احمد'، يعمل نجارا ويقدم مساعدته لسكان المخيم من خلال مهنته كنجار مجانا، لكنه لا يرفض أخذ القليل من الاجر في حال تمكنت الأسرة من ذلك.. التقته 'الغد' بينما كان يقوم بإصلاح طاولة خشبية، لعائلة لديها 3 أطفال مصابين بالشلل الدماغي، ووجد فرصته ليشكو هو الآخر قلة العمل وحرمانه من مزاولة مهنته في الأردن.

وفي الخيمة لدى العائلة ذاتها، كان المعالج الطبيعي نضال التعمري من المركز الأردني للطب الصيني، يقوم بإجراء جلسات علاج طبيعي لأطفال هذه الأسرة، مبينا انه يأتي يوميا لهؤلاء الأطفال تحديدا، بطلب من المفوضية، لأهمية العلاج الطبيعي خصوصا لحالة اثنين منهم لقابليتهما للتحسن.

والد الأطفال ويدعى صادر التقي، قال انه يعاني من تكاليف العناية بأولاده الثلاثة، نظرا لحاجاتهم الخاصة من حفاظات وغيرها، مبينا انه يبيع نصف الكوبونات التي يحصل عليها من المفوضية لقاء توفير احتياجات اطفاله، المختلفة عن احتياجات الأطفال الطبيعيين.

أما زوجته فوزه، فأشارت الى ضرورة ان تأخذ المفوضية بعين الاعتبار أن 'ليس كل شيء هو الأكل' فهناك المتطلبات الحياتية الأخرى، خصوصا لمن لديهم اشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة'.

وعلى بعد مترات من المخيم الأول، يقف المخيم العشوائي الثاني، الأصغر حجما، والذي جاء اغلب سكانه ايضا من حماة وريفها، ويضم حوالي 47 عائلة.

وفيما ترددت الشكاوى ذاتها من سكانه، 'لا عمل، وشح المساعدات، وغياب الأطفال عن مقاعد الدراسة الرسمية'، اكدوا ايضا ان 'احدا من المحيطين بهم' لم يشتك من وجودهم.

واخيرا، تركت العاصفة الثلجية الشديدة التي اجتاحت المملكة بمختلف مناطقها، تركت آثارها على المخيمين، فبعض الخيام فاضت بالمياه، وانتقل اصحابها الى خيام اخرى، وسط ارض موحلة جدا ومشبعة بمياه الامطار.

الغد


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة