الوكيل - الأردن الرسمي المزنّر بأخطار جماعات تكفيرية وجهادية عابرة للحدود - بخاصة من سورية - يعكف على تعديل قانون منع الإرهاب في مسعى لتحصين ساحته الداخلية، عبر التوسع في تعريف الأعمال الإرهابية المنظورة أمام محكمة أمن الدولة وتشديد العقوبات.
لكن مشروع القانون «المعجون بلغة مطاطية» قد ينتهك حقوقاً أساسية للمواطن باحتوائه أحكاماً فضفاضة تسمح للسلطات بملاحقة وإدانة ناشطين مستقلين ومعارضين سلميين، على غرار دول عربية أخرى سنّت قوانين مماثلة خلال العام الماضي، بما فيها مصر، وفق تشخيص الناشط الحقوقي سميح سنقرط.
سنقرط - أمين سر المنظمة العربية لحقوق الإنسان سابقاً - يقول إنه يأمل في أن يرد مجلس النواب مشروع القانون، «الذي يخلو من تعريف واضح للإرهاب يتم على ضوئه تكييف الجرم، ويستطيع أي شخص استخدام لغته الفضفاضه ليجرّم الآخر وفقاً للتعريف الذي يخدم مصلحته أو مصالح السلطة التنفيذية».
آلية إقرار مشروع القانون بدل القانون النافذ منذ 2006 قد تثير جدالاً تحت قبة البرلمان. لكن الرهاب المسيطر على عقول غالبية الأردنيين بسبب فوضى وعنف ما بعد الربيع العربي في سورية ومصر وليبيا واليمن، سيسمح بتمريره بأدنى التكاليف السياسية داخلياً وخارجياً. إذ يؤكد غالبية الديبلوماسيين الغربيين في عمّان أن ضمان أمن الأردن واستقراره بات أهم من الإصلاح.
وهناك سوابق في المنطقة انتهجها حلفاء الأردن في الحرب على الإرهاب؛ كمصر، والسعودية والإمارات العربية المتحدة التي صنّفت الإخوان المسلمين وجماعات دينية متشددة ضمن خانة التنظيمات الإرهابية المحظورة.
مجلس النواب المنقسم حيال المشروع - الذي أرسلته الحكومة إليه مع صفة الاستعجال مطلع الشهر الماضي- أحاله قبل أسبوعين إلى اللجنة القانونية لدراسته قبل مناقشته وإقراره بغالبية أعضائه الـ 150.
رئيس اللجنه القانونية عبدالمنعم العودات يؤكد أنه سينفذ وعده أمام مجلس النواب بـ»تنقية مشروع القانون من كل جوانبه السالبة للحريات ويشرك أكبر عدد ممكن من المعنيين الذين يمثلون وجهات النظر كافة قبل إعادة إرساله الى المجلس مع التعديلات المقترحة».
المفاجأة كانت أن 47 من 105 نوّاب حضروا الجلسة صوّتوا لمصلحة ردّه الى الحكومة بسبب البنود المشددة. ولو ارتفع رافضوه عشرة نواب على الأقل، لكان أعيد إلى الحكومة، ما يشي بأن عملية الإقرار قد تشوبها منغصات، إلا إذا تدخلت مرجعيات أمنية وضغطت على النواب.
قانون منع الإرهاب النافذ سن في المرة الأولى عقب تفجيرات عمان الثلاثية التي أودت بحياة 60 شخصاً في 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 2005. نفّذ تلك التفجيرات تنظيم القاعدة بقيادة الأردني أبو مصعب الزرقاوي (قتل في غارة أميركية منتصف 2006).
والأردن – الذي يقع على مفترق مسارات الحركات التكفيرية من شمال إفريقيا إلى العراق وسورية - ملتزم بثماني اتفاقيات دولية متعلقة بمكافحة الإرهاب.
لا ينكر ساسة وحقوقيون تفاقم خطر الجماعات التكفيرية في ضوء تحول سورية – بعد اليمن والعراق وليبيا - إلى «منتج لهؤلاء المتشددين القادمين من أقطار شتّى، ومن حق الأردن تحصين أراضيه أمام عش دبابير متوقع تفجّر شظاياه في أي لحظة» وفق سياسي أردني.
لكنهم يخشون من استخدامه لكم الأفواه وربما استهداف «ناشطين سياسيين»، عبر تحميل جرم عادي أو مسيرة احتجاجية أبعاداً إرهابية، فقط من خلال الحكم على النيات.
كما يجادل ناشـــطون أن بإمكان الحكومة «لو كانت نياتها واضحة» تفعيل نصوص نافذة تتعامل مع الإرهاب – مثلاً - من خلال المادة 147 في قانون العقوبات المعدل.
على أن الحكومة تنفي سوء النيات. مسؤول رفيع شارك في سن مشروع القانون يقلّل من انعكاسه على حرية الإعلام وحراك المعارضة السلمية. ويؤكد أن القانون يستهدف حصراً أي مواقع الكترونية أو نشاطات «تحرض على الإرهاب والقتل» أو تروّج لحركات محظورة وتشرح طرق تجهيز أدوات قتل وتخريب.
إلى جانب الشرر المتطاير عبر الحدود، يواجه الأردن تحدي تجمعات متشددة تتناسل في الداخل بفعل الفقر والبطالة والجهل وثقافة الانغلاق والكراهية وإقصاء الآخر مع تراجع الحريات وغياب العدالة في توزيع مكاسب التنمية وتراجع هيبة الدولة لمصلحة الهويات الفرعية الضيقة.
لذلك تحتاج الحكومة والأجهزة الأمنية المختصة للتحرك بحرية وسرعة لمكافحة التكفيريين والقوى الرجعية بأقل التكاليف الحقوقية، وفق مسؤولين. لكن من الضروري وضع معادلة الأمن والحرية في الميزان لتداخل هذه العناصر والمفاهيم، من دون الانتقاص من الحقوق والحريات الأساسية.
القراءة الأولية تشير إلى فوارق كبيرة بين مشروع قانون 2014 والقانون الحالي.
مشروع القانون وسّع تعريف العمل الإرهابي وترك زوايا معتمة في مهب الاجتهاد وتضارب التفسيرات، في تجاوز للقواعد الدستورية، المعايير الدولية لحرية الرأي والتعبير. وجاء فيه أن الإرهاب هو «كل عمل او امتناع عن عمل او التهديد به أياً كانت بواعثه وأغراضه أو وسائله يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جمعي من شأنه تعريض حياة المجتمع وأمنه للخطر أو إحداث فتنة، إذا كان من شأن ذلك الإخلال بالنظام العام أو إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم أو تعريض حياتهم للخطر أو إلحاق الضرر بالبيئة أو المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة أو المرافق الدولية او البعثات الديبلوماسية، أو احتلال أي منها أو الاستيلاء عليها أو تعريض الموارد الوطنية أو الاقتصادية للخطر أو إرغام سلطة شرعية أو منظمة دولية أو إقليمية على القيام بأي عمل أو الامتناع عنه أو تعطيل تطبيق الدستور أو القوانين أو الأنظمة».
في قانون 2006 عرف العمل الارهابي على أنه: «كل عمل مقصود يرتكب بأي وسيلة كانت يؤدي إلى قتل أي شخص أو التسبب بإيذائه جسدياً أو إيقاع أضرار في الممتلكات العامة أو الخاصة أو في وسائط النقل أو البيئة أو في البنية التحتية أو في مرافق هيئات البعثات الديبلوماسية، إذا كانت الغاية منه الإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر أو تعطيل تطبيق أحكام الدستور أو القوانين أو التأثير في سياسة الدولة أو الحكومة أو إجبارها على عمل ما أو الامتناع عنه أو الإخلال بالأمن الوطني بواسطة التخويف أو الترهيب والعنف».
إذاً القانون الجديد لم يوضح - مثلاً - معنى مفردة «إحداث فتنة» أو «الامتناع عن أو تعطيل تطبيق الدستور» أو إلحاق الضرر بـ «البيئة» أو المرافق العامة. ويقول سياسي معترض على القانون: تخيلوا مثلاً سيناريو؛ معارض سياسي «يدق على عصب» الحكومة، يلقي عقب سيجارة مشتعل بطريق الخطأ قرب أحد الأحراش أو على مقربة من مولد كهرباء وزارة ما، فهل يتهم بالإرهاب؟ وقد تستخدم بنوده ضد ناشط «ديموقراطي» أو كاتب مقال رأي ينتقد – مثلاً - سياسة السلطات المصرية في اعتقال ناشطين «إسلاميين وغير اسلاميين»، أو سوء معاملة ناشطين سياسيين معتقلين في مصر مثلاً. قد يحدث ذلك من خلال مفردات فضفاضة تعرف الإرهاب في مشروع القانون بـ: «القيام بأعمال من شأنها تعكير صلات المملكة بدولة أجنبية».
ينسحب ذلك أيضاً على قيام موقع الكتروني مرخص أو غير مرخص ببث رسالة لأحد زعماء القاعدة يجد فيها الأردن الرسمي «دعماً لجماعة إرهابية» بينما ترى فيها قطاعات اجتماعية وأحزاب سياسية عمل مقاومة مشروعاً ضد الاحتلال. المسؤول الرفيع ينفي استهداف وسائط الإعلام بكل تلاوينها مؤكداً أن دائرة التنفيذ تنحصر بمواقع مرتبطة بتنظيمات إرهابية.
مشروع القانون الجديد سلق على عجل ويحمل تطبيقات مفتوحة على شتّى الاحتمالات. وفي استثناء، لم يخضعه ديوان التشريع والرأي التابع لرئاسة الوزراء إلى مناقشة تفاعلية عامة تستدرج آراء الناس حوله، من خلال تحميل النص المقترح على موقعه الإلكتروني. كما وسّع مظلة جرائم الإرهاب بحيث تشمل الالتحاق أو حتى «محاولة الالتحاق بأي جماعة مسلحة او تنظيمات إرهابية أو تجنيد أو محاولة تجنيد أشخاص للالتحاق بهم وتدريبهم لهذه الغاية سواء داخل المملكة أو خارجها». كما يجرّم «تقديم الأموال أو إدارتها بأي وسيلة مباشرة أو غير مباشرة بقصد استخدامها لتمويل عمل إرهابي أو تمويل إرهابيين سواء وقع العمل داخل المملكة أو خارجها».
مشروع القانون وسعّ أيضاً صلاحيات المكلفين بإنفاذ القوانين على حساب السلطة القضائية، ما ينذر بإخراج بعض إجراءات التحقيق من صفتها القضائية إلى أدوات ضبطية، ما قد يشكّل خروجاً على استقلال السلطة القضائية ومساساً بمبدأ فصل السلطات.
إذاً، مشروع القانون المعدل لمنع الإرهاب يضع الجميع على المحك: الحكومة، مجلس الأمة، المركز الوطني لحقوق الانسان ومنظمات المجتمع المدني والإعلام.
فلا يجوز إخراج قوانين مكافحة الإرهاب – على رغم أهميتها القصوى - عن قواعد السياسة التشريعية أو الإخلال بضمانات المحاكمة العادلة، وفق ناشطين وحقوقيين.
مشروع القانون الجديد، حال القديم، يتضمن اختلالات شكلية وموضوعية ويهدر الكثير من ضمانات المحاكمة العادلة. فلماذا نعيد ترقيع ثوب بالٍ بقماش جديد؟ وفق ناشط حقوقي أردني.
الأيام المقبلة ستجيب عن سؤال: هل يشكل مشروع القانون تراجعاً جديداً عن التوجهات الإصلاحية أم أنه ضروري للتعامل مع الظروف السياسية والأمنية الآنية المحيطة بالأردن؟.. الحياة اللندنية
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو