الخميس 2024-12-12 10:52 م
 

مكامن القوة في الإسلام

07:24 ص

الإسلام يشكل مصدرا مهما من مصادرالقوة العظيمة للأمة الإسلامية والعربية، بل للإنسانية جمعاء، فيما لو تم ادراك اسرار هذه القوة وحقائقها ، ومكامن القوة تنبع من أفكار الإسلام الجوهرية وعقائده الأساسية ومنظومته القيمية السامية ومقاصده العامة التي جاءت جميعها في سياق تيسير سبل الهداية للناس، وتسهيل أمور معايشهم، وتنظيم تجمعاتهم وحل خلافاتهم وزيادة فاعليتهم في الانجاز وتمكينهم من تحقيق الشهود الحضاري، أما نقاط الضعف فتأتي من الأتباع والمبشرين والمنذرين الذي لا يحسنون الفهم ولا يدركون المقاصد والعلل ، ويقفون على ظواهر النصوص ويعبدون الله على حرف، وخاصة أولئك الذين يصابون بداء غرور التدين، ووهم استعلاء الايمان، كمثل من ورد ذكرهم من السابقين عندما قالوا: «نحن أبناء الله وأحباؤه» كما جاء في القرآن على لسان بعض اليهود.

اضافة اعلان


ملمح القوة الأول يتمثل بمخاطبة العقل، وجعل العقل مناط التكليف، والعقلاء هم المعنيون بخطاب الشارع، والقاعدة الفقهية تقول : «إذا أخذ ما أوهب سقط ما أوجب»، ولذلك يرتكز فهم الإسلام على البراهين والأدلة التي تقنع العقل بالمنطق والبعد عن التناقض، وينبغي أن يدخل في الإسلام من آمن به إيماناً راسخاً ؛ عقلاً ووجداناً، ولا ينفع الإسلام ولا المسلمين ولا ينفع ذاته من عجز عن استخدام عقله ولم يكلف نفسه عناء الفهم والبحث عن الدليل والمقصد الذي يقف خلف الحكم والغاية التي يراد تحقيقها، ومن هنا يأتي الحض على القراءة وطلب العلم، ورفع شأن العلماء (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)، ولن تقوم للمسلمين قائمة إذا لم يمسكوا بناصية العلم والمعرفة، ولن يستطيعوا إعمار الكون ولا يتمكنوا من مهمة الاستخلاف في الأرض إذا لم يتمكنوا من استكشاف السنن واسرار الخلق والموجودات.


مكمن القوة الثاني يكمن باعلاء شأن الحرية، فالله خلق الإنسان حرّاً، وأراده أن يكون ويستمرفي الحياة حرّاً مطلق الإرادة، لأن الحرية هي الطريق للكرامة والعيش الإنساني الرغيد، والحرية هي الطريق للإبداع والابتكار عن طريق اطلاق العنان للعقل للتفكير والبحث والنظر والدراسة والاجتهاد والمقارنة والاستدلال والبرهنة والموازنة من أجل اتخاذ القرار الحكيم، والحرية هي طريق الإيمان، ووسيلة الاختيار والمنافسة والتنافس في فعل الخير، فالحرية قيمة سامية لا تعلوها قيمة، فهي تسبق الإيمان، لأن الإيمان لا يكون مع القهر والكبت والإرهاب واستخدام القوة والعنف وإشاعة الخوف وتغييب العقل ومصادرة الإرادة، فالله عز وجل الذي أنزل الدين هو الذي يُقرّر حريّة التدين وحرية الإيمان عندما قال: (لا إكراه في الدين)، وقال: (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر). وحصر مهمة الرسل والدعاة بالبيان والدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن.


مكمن القوة الثالث بمنظومة القيم النبيلة، التي تتجلى في كل مجالات الحياة، وأكثر مظاهرها ممثلاً بالأخلاق الحسنة والسلوك والقيم والصفات الرفيعة التي ترفع من قيمة الإنسان وتصقل ذوقه وتحسن بناءه ولذلك جاء في الحديث عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، كما أن الله مدح نبيه بالقول: (إنك لعلى خلق عظيم)، (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك). فالخلق قرين العلم والمعرفة، وقرين الإيمان، وثمرة التربية والتهذيب، وفي هذا السياق قرر الإسلام وحدة الأصل الإنساني وحارب التفاضل بالانسانب والألوان والأعراق وأرسى معيار التفاضل الذي يقوم على التقوى والقوة والأمانة.


وهناك مكامن قوة كثيرة وعديدة، ولكن يجب القول لأولئك الذين يسلكون مسالك العنف اللفظي والسلوكي تجاه المخالف من أجل إظهار الحرص على الإسلام إنما يشكلون معاول هدم للفكرة، ويضعفون مكامن القوة فيها، فالإسلام ينساب في الأرض بحسن التعامل وحسن اللفظ وحسن مخاطبة العقل واحترام الكرامة الآدمية ، وينحسر انتشاره كلما ظهر على سطحه غلاظ الأكباد ومغلقو العقول الذين يحاولون إظهار التوتر والخوف من المؤامرة على الإسلام والخوف من حرية الكلمة، لكنهم واهمون. فالإسلام قوي بعقائده ومقاصده وقوي بمبادئه وقيمه وهو قادر على البقاء والثبات والإستمرار والانتشار إلى يوم القيامة بمعزل عن أهل الوصاية والاحتكار، ويزداد ثباتاً ورسوخاً وانتشاراً في أجواء الحرية وحسن التعامل وامتلاك أدوات الحوار والقدرة على مخاطبة العقل وادراك لغة العصر.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة