الجمعة 29-03-2024
الوكيل الاخباري
 

ألم يأن الأوان لوقف مهرجان جرش؟



لا يعيب الدول أن تراجع سياساتها، أو تعيد النظر بشأن قضايا كثيرة، بما في ذلك الأنشطة التي تقوم بها، على أي صعيد، وهنا أقصد مهرجان جرش والجدوى من كل هذا المهرجان هذه الأيام.اضافة اعلان

هذا المهرجان تقترب كلفته من مليون دينار، وقد أصبحت كل نشاطاته غنائية، وهذا أمر مؤسف جدا، ولو عدنا إلى نسخ قديمة من المهرجان لوجدنا تنوعا في النشاطات، بما يجعله يستحق توصيفه بالمهرجان، فيما هذه الأيام، نلمس إفلاسا في تطوير المهرجان، وحشره في زاوية السهر والأغاني واستجلاب المطربين والمطربات، من جهات مختلفة، ودول متعددة عربية وأجنبية.

إلغاء المهرجان، لا يؤدي إلى خسارة الأردن، أي ملمح من ملامحه، فالمهرجان لا يعبر عن خصوصية ثقافية أو اجتماعية أو سياسية، تخص الأردن، ونحن ومن خلاله نعرض للعالم في بلادنا، ولا نعرض بلادنا للعالم، وهذا فرق كبير، من حيث النتائج والأثر النهائي.
تحول المهرجان، إلى موسم غنائي، سواء عبر المطربين وحفلاتهم، أو عبر المسرحيات الغنائية، أو حتى عبر تشغيل “الدي جيه” في مواقع محددة، ولا يملس أحد فكرة نوعية في المهرجان، تضيف لمسة ذات قيمة، ومن المؤسف مجددا، أن يتم ترويج الأردن فقط من هذه الزاوية الطربية، باعتبار أن حضور أعداد كبيرة من المغتربين أو الزوار لهذه الحفلات دليل على نجاح المهرجان، وهذا مؤشر غير دقيق، ويتعامى عن تحول المهرجان إلى حفلة مفتوحة طوال أيام المهرجان.
حتى أهالي مدينة جرش لا يستفيدون من المهرجان وهذه شكواهم المعتادة، والذين يروجون لكون مدينة جرش تستفيد من عقده يعتقدون أن بيع زجاجات الرمل الملون، سيعود بالملايين على المدينة، وأهلها، وكل الملاحظات التي قيلت على مدى عقود من أهل جرش، لم يستمع لها أحد.

الذين سيرفضون إلغاء مهرجان جرش، للاعتبارات السابقة، ولكونه لا يشكل قيمة مضافة، يدافعون ربما عن وجودهم، أو إنجازاتهم وفقا لمعاييرهم، وبالطبع هناك “شلة متطوعة” تتولى الدفاع عن وجود المهرجان، لاعتبارات كثيرة، وهي اعتبارات ليس هنا محل ذكرها بالتفاصيل.

الأردن خسر مزاياه الأهم، أي في سمعة القطاعات مثل التعليم العالي، والصحة، وغير ذلك وصولا إلى أضرار السياحة، وإذا كنا لا نريد فتح كل الملف، هنا، فإن علينا أن نتذكر أن استرداد المزايا النسبية وسمعة هذه القطاعات في الأردن، وأمام المنطقة والعالم، أكثر جدوى اقتصادياـ من تقديم الأردن بهذه الطريقة عبر المهرجانات الغنائية، والتي قد تعبر بشكل سطحي عن حالة رفاه اقتصادي، وأن المجتمع منشغل بالفرح، والتكدس في مواقع المهرجان، خلال الصيف.
صناعة المهرجانات فن تجيده دول مختلفة، لكن بالتأكيد في حالة مهرجان جرش، لا بد من وقفة تقييم لكل هذا الذي يجري، حين يتم سلب المهرجان كل قيمة تراثية وثقافية مؤثرة وذات قيمة على المستوى العربي والدولي، في بلد له قضاياه، ويواجه تحديات مصيرية، وتحويله فقط إلى برامج غنائية تطغى على كل شيء، وسط خلاف في الأساس، على شرعية استضافة فلان، واستثناء فلان، وغير ذلك من قصص تشهد جدلا في الحديقة الخلفية لمهرجان جرش.

لو عاد الرومان إلى الحياة لاعترضوا بشدة على ما يجري في مدينة تاريخية من مدنهم، فلا كنا بمثل حضارتهم، ولا استطعنا تقديم نشاطات تليق بمفردة مهرجان، ولم نجد سوى قلب المدينة من مدينة أثرية، وسكانية، إلى مدينة مفتوحة لكل أنواع الساهرين من المطربين المحترفين والهواة.