المحامي الدكتور ليث كمال نصراوين - ظهرت قبل أيام ملامح التعديلات التي تنوي الحكومة القيام بها على قانون محكمة أمن الدولة والتي جاءت استجابة للتوجيهات ملكية بإعادة النظر في اختصاصات تلك المحكمة بما يتوافق مع أحكام الدستور. فقد تضمن مشروع القانون المعدل ما يفيد حصر الجرائم التي تختص بها محكمة أمن الدولة بتلك الواردة في المادة (101) من الدستور والتي تشمل جرائم الخيانة والتجسس والإرهاب وجرائم المخدرات وتزييف العملة، على أن تحال باقي الجرائم التي كانت ضمن اختصاص تلك المحكمة العسكرية إلى القضاء النظامي.
إن الأثر الدستوري المترتب على إعادة النظر في اختصاصات محكمة أمن الدولة لصالح حصرها في جرائم محددة على سبيل الحصر يتمثل في إعادة الاعتبار إلى المحاكم النظامية التي تمارس حق القضاء على جميع الأشخاص في جميع المواد المدنية والجزائية وذلك عملا بأحكام المادة (102) من الدستور. فالأصل أن الولاية العامة في تطبيق القانون والفصل في المنازعات تكون للقضاء النظامي، وأن الاستثناء أن تفوض المحاكم الخاصة حق القضاء في أمور معينة شريطة أن تكون محددة على سبيل الحصر، وأن لا يتم القياس عليها أو التوسع في تفسيرها. فالمشكلة الدستورية في محكمة أمن الدولة أن اختصاصاتها الواردة في القانون الذي أنشأها قد جاءت واسعة وفضفاضة لتشمل الجرائم التي تمس أمن الدولة الداخلي والخارجي، وجرائم الأمن الاقتصادي والسلامة العامة، والمخالفات التي تقع على أحكام قانون حماية أسرار ووثائق الدولة، وهذا ما يتعارض مع فكرة الاختصاص الاستثنائي للمحاكم الخاصة.
كما أن محكمة أمن الدولة بصيغتها الحالية لا تعد من قبيل المحاكم الخاصة التي اعترف بها الدستور في المادة (99) منه والتي تقسم المحاكم إلى ثلاثة أنواع نظامية ودينية وخاصة، ذلك أن المحاكم الخاصة لغايات ذلك النص الدستوري هي تلك التي تنشأ بقانون خاص يحدد اختصاصاتها على سبيل الحصر ويُخضع قضاتها لسلطان المجلس القضائي كضمانة أساسية لاستقلالهم وحياديتهم. فالشرط الأساسي في المحاكم الخاصة في الدستور الأردني أن تكون مشمولة ضمن ولاية المجلس القضائي كما هو الحال في محكمة الجنايات الكبرى ومحكمة ضريبة الدخل ومحكمة الجمارك التي تخضع جميعها لولاية المجلس القضائي. أما في حال محكمة أمن الدولة، فإن قضاتها المدنيون معينون من قبل رئيس الوزراء بشكل يعتبر تغولا من جانب السلطة التنفيذية على السلطة القضائية واعتداء على استقلال القضاء.
إن أهمية الإصلاح التشريعي لقانون محكمة أمن الدولة تنبع في أنه يعمل على توفير الضمانات الدولية للمحاكمة العادلة وأهمها أن يحاكم الشخص المدني من قبل قضاة مدنيين مستقلين وليسوا عسكريين، وأن يعطى الفرد الحق في أن يطعن بالحكام القضائية الصادرة بحقه إلى محكمتي الاستئناف والتمييز تبعا لنوع الجرم المرتكب، وهو الأمر الذي لا يتوافر في قانون محكمة أمن الدولة الذي يجيز الطعن بالأحكام الصادرة عنها إلى محكمة التمييز فقط.
كما يمتد الأثر الإصلاحي لتعديل قانون محكمة أمن الدولة على تكريس الحق في حرية الرأي والتعبير بأشكاله المختلفة التي تشمل حرية الصحافة، وحرية الوصول إلى المعلومات وتلقيها ونشرها وتداولها، وحرية التجمع السلمي وتشكيل الجمعيات والأحزاب السياسية. فمن شأن تعديل قانون محكمة أمن الدولة وتقييد اختصاصاتها بجرائم محددة على سبيل الحصر أن يخفف من الضغوطات الأمنية على أصحاب الرأي والفكر في التعبير عن معتقداتهم ومبادئهم سواء من خلال تجمعات سلمية فردية أو أخرى حزبية، وهو ما سيعطي الأحزاب السياسية والجمعيات فرصة لإعادة تنظيم صفوفها وتجييش أفرادها لتنشط في مجال العمل السياسي بغية الوصول إلى تجسيد حقيقي لفكرة الحكومة النيابية.
إلا أنه وعلى الرغم من أهمية الإصلاح الذي تنوي الحكومة القيام به على قانون محكمة أمن الدولة فإنه يبقى مجزوءا، والسبب في ذلك أن مشروع القانون قد حصر تاريخ نفاذ التعديلات القانونية على اختصاصات تلك المحكمة العسكرية على المستقبل فقط، بحيث لا تشمل القضايا المنظورة حاليا أمام محكمة أمن الدولة وقت بدء العمل بالتعديلات الجديدة والتي سيبقى الاختصاص في نظرها للقضاة العسكريين. فقد اختارت الحكومة نهجا ضيقا وغير كامل للإصلاح وذلك من خلال استثناء فئة من الأردنيين الذين يحاكمون أمام محكمة أمن الدولة من أحكام القانون المعدل لقانون محكمة أمن الدولة، حيث أبقى مشروع القانون المعدل القضايا المنظورة عند نفاذ القانون بيد القضاة العسكريين في محكمة أمن الدولة بدلا من أن يقرر احالتها إلى المحاكم النظامية، مما حرم المتهمين من فرصة توفير ضمانات المحاكمة العادلة لهم حتى وإن كان ذلك في مرحلة متأخرة من مراحل التقاضي.
إن المبادئ العامة التي تحكم تاريخ سريان القانون تقضي بأن القانون دائما ما يسري بأثر فوري مباشر على الوقائع التي تحدث بعد نفاذه ما لم تكن الأحكام القانونية الجديدة أو المعدلة أصلح للمتهم، بالتالي تطبق في تلك الحالة بأثر رجعي على الوقائع والأفعال التي وقعت قبل تاريخ سريان القانون. وحيث أن ضمانات المحاكمة العادلة أمام القضاء النظامي تتوفر بشكل أكثر منه أمام القضاء العسكري لمحكمة أمن الدولة، فإن التعديلات المقترحة بحصر اختصاص محكمة أمن الدولة بجرائم خمسة محددة على سبيل الحصر وإحالة باقي الجرائم إلى القضاء النظامي تعد أصلحا للمتهم، وبالتالي فإنها يجب أن تطبق بأثر رجعي لتشمل القضايا المنظورة أمام محكمة أمن الدولة عند نفاذ القانون المعدل والتي يجب أن ترفع يد القضاة العسكريين عنها، وأن تحال إلى المحاكم النظامية لاستكمال النظر فيها.
إن مجلس النواب وأثناء مناقشته مشروع القانون المعدل لقانون محكمة أمن الدولة مدعو إلى أن ينتصر لمبادئ العدالة والإنصاف لأولئك الأردنيين الذين يحاكمون أمام قضاة عسكريين في غير الجرائم الخمسة الواردة حصرا في الدستور بأن يقضي بنزع اختصاص محكمة أمن الدولة في جميع القضايا التي ما زالت قيد النظر عند تاريخ تعديل قانون محكمة أمن الدولة، وأن يحولها الى المحاكم النظامية تطبيقا لقاعدة القانون الأصلح للمتهم.
أستاذ القانون الدستوري المساعد في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو