الأحد 2024-12-15 08:30 م
 

القنديلُ تكتيك أشرارنا

05:51 م

لا يعجبني المثل الشعبي القائل: (ما فيه أكذب من شاب تغرّب، إلا ختيار ماتت أجياله). لا يعجبني ولا أحبه خصوصاً في سهرة طريفة، تنحرف فيها بوصلة أحاديثنا من تعاسة السياسة إلى سعادة الطفولة ومرابعها البهية. اضافة اعلان


فكم جميلٌ أن يعود بنا صديق ختيار، ما زال الطفل في داخله يقظاً تواقاً إلى كل دهشة وقفشة. يعود بنا عبر مغامراته الطرية، التي نعلم أنه لا يسردها على سبيل الضحك والتفكه، بل عرفناه محنكاً حكيما لاذعاً قد يبكينا ضحكاً مراً.

يقول الختيار إنه كان مشاكسا في طفولته، ولهذا لم يكن يمر يوم بلا عقوبة من لدن أمه الحنونة، تتمثل في (قرصة خد) تصل الجلد السابع، أو (مصعة أذن) تجعله يدور حول نفسه كصرصور، أو بفردة حذاء تلاحقه كصاروخ أرض أرض، لا تصيب في النهاية إلا دفة ظهره.

ويضيف: وحين يكون ذنبي كبيراً، فلا بد أن يعلم به أبي الذي نعرف تماماً طعم خيزرانته الرجراجة، ولهذا أظل متوارياً عن الأنظار، لكنه يتوعدني أن مغيب الشمس سيجمعنا في البيت، ولا بد أن يرزعني (بدناً) مانعاً لا يناله حمار في مطلع.

كنت أطلطل برأسي من شق الباب، فأرى أبي يهزهز عصاه سائطاً الهواء، فيئز أزّا. ولأنه لا بدّ من المواجهة، فقد كنت أدخل مسرعاً نحو القنديل على الطاولة، وأحتضنه بين يدي؛ ليحميني من غضب أبي الخيزراني.

القنديل شمس الغرفة، ومصدر حياتنا الليلة، ولا غنى عنه، إن كسر فلا بديل له. ولهذا يبدأ أبي بالتفاوض معي ومهادنتي. وأنا كنت (أزعبر) معلناً التوبة. وهكذا حتى يعود القنديل إلى مكانه، وأنا مندس منتصر بفراشي.

نضحك مع صديقنا الختيار لكنه يضيف متبرماً: لا تستعجلوا على نصيبكم. فحينما يكون ذنبي كبيراً أو خطيراً، كان أبي ينتظر حتى أطأ عتبة النوم الأولى؛ فيسحب اللحاف ويرزعني البدن الموعود قائلاً: إلى متى بدك تظل مأخذها بالساحة إرباحة.

الأشرار الذين بيننا وفينا أذكياء انتهازيون في غالب أمرهم. يتوارون عن الأنظار ثم يسرعون إلى حمل مقدساتنا الوطنية بين يديهم لتحميهم وتقيهم بأسنا، فهم يعلمون أنها أعز من عقابهم. لكن إلى متى؟ وهل ندعهم يأخذونها (بالساحة إرباحة). أم نتربص بهم عتبات الصحو والنوم ونرزعهم بدنا معتبرا.

نخاف على وحدتنا الوطنية، ونخاف من فيروسات الفرقة والجهوية والطائفية، لكن هذا لا يعني أن ندع الأشرار ينامون بلا خيزرانة تئزهم أزا.

 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة