الأحد 2024-12-15 02:39 م
 

المخرج الياباني شينكاي: أفلام الكارتون بوح ذاتي وتواصل كوني

01:20 م

الوكيل - فيلمان ضمن فعاليات اسبوع الفيلم الياباني التحريكي الذي تشهده العاصمة عمان حاليا، وقعهما المخرج كيموتو شينكاي الذي أمضى فترة وجيزة في الاردن مشرفا على ورشة تدريب اقامتها الهيئة الملكية الأردنية للأفلام لمجموعة من الشباب الأردني المهتمين والراغبين في خوض هذا الحقل الإبداعي في صناعة الأفلام في العام 2009 .اضافة اعلان

اتاحت زيارة المخرج الشاب مواليد العام 1973 الالتقاء مع عشاق هذا النوع من الأفلام بالأردن ومناقشته في جوانب من صنعته السينمائية لدى عرض مجموعة من أفلامه التي قادت شهرته إلى أرجاء العالم، يكشف الحوار التالي عن الجمالية والدرامية في المحطات والمواقف والتقنيات التي تحكم تجليات نظرته الخاصة في إنجاز أفلام الرسوم المتحركة .

بدا منذ أول أفلامك في مجال صناعة أفلام الكارتون والمعنون (أصوات النجوم البعيدة) الذي أنجزته العام 2002 اقتحمت فضاء رحبا يحتشد بالجماليات ويطلق في الوقت ذاته إشارات ودلالات عميقة المضامين .. كيف استطعت وأنت في تلك السن المبكرة من العمر أن تحيط بكل ذلك بهذه الخبرة والدراية ؟.

بداية شكرا على هذا الإطراء لفيلمي الذي أعجبني الإقبال عليه من قبل الاردنين في كل الأعمار،لم يكن الفيلم موجها لفئة أو لشريحة على حساب أخرى كالأطفال كما قد يتصور البعض.. أنا آثرت أن أقدم فيلما على طريقتي الخاصة بحيث وضعت فيه عصارة اهتماماتي الكومبيوترية التي كانت تستهلك جزءا واسعا من حياتي فانا قبل أن اهتم في صناعة أفلام الكارتون كنت من عشاق العمل على جهاز الكومبيوتر بشكل متواصل واتابع من خلال شاشته الكثير من أخبار أفلام الكارتون أو من خلال المواقع المتخصصة الأمر الذي حتم علي لاحقا أن أتصرف لوحدي وان أحاكي هذا النوع من الأفلام بحسب جهودي الذاتية وهي محدودة بطبيعة الحال أمام عمل يحتاج إلى طاقم كامل متنوع الاختصاصات ليظهر على الوجه الأكمل لكني بمثابرة واهتمام جدي اختصرت جهد فريق العمل بطاقتي الخاصة إلى أن تمكنت من تقديم الفيلم بصورته النهائية التي عرضت أمامكم والتي منحتني العزيمة أن أواصل مشواري في أفلام لاحقة من النوع ذاته ولكن ضمن فريق عمل جماعي وفي ميزانية مريحة .

أفلامك تنهج صوب النفاذ إلى عوالم أخرى لكنها تظل مشدودة إلى واقعها وغالبا ما يكون أبطالك من بين أولئك الأشخاص العاديين الذين يمتلكون طاقات وقدرات يجري الإفصاح عنها بين ثنايا الفيلم ؟ .

اجل أشاطرك هذه الرؤية فمنذ أن قررت اختيار هذا اللون من الإبداع ظلت فكرة الكشف والاكتشاف عن الطاقات المغمورة تحتل مساحة واسعة في خيالي وكثيرا ما كانت تشد خيالي أيضا في كتابة قصص وموضوعات بحيث اعرضها على شكل خطوط ورسومات أكثر منها مجرد هواية لفتى لكنني أيقنت لاحقا في رحلتي بصناعة أفلام الكارتون إنها كانت مرتعا خصبا للخيال من ناحية وكحالة لفعل تعبيري تمكنني من التواصل والتحاور مع الآخرين سواء في بيئتي الضيقة او في محيطي داخل هذا العالم الفريد والمتنوع.

هل ترى ثمة اختلاف بين أفلام الرسوم الكارتونية التي تقوم أنت بإنجازها أو المنجزة في اليابان عموما وتلك الأفلام من ذات النوع القادمة من عالم هوليوود سواء من الناحية الفكرية أو الناحية الجمالية؟ .

دعني أن أشير أولا إن عالم صناعة أفلام الكارتون اليوم غدت متاحة للجميع بفعل التطور والتقني التكنولوجي وهذا يمحي الكثير من الفوارق ، لكنه يمنح المتلقي جماليات متباينة عندما يكون الإنتاج بجهود وإصرار فردي ومستقل عن إنتاج الشركات الكبرى التي تذهب بعيدا في خيال جامح ومفعم بألوان تعيق الناظر عن متابعة الحدث .. أنا شخصيا لا أحبذ توجيه رسائل في أفلامي، ولئن كان ذلك يبدو للناقد بين حين وآخر لكن ذلك لا يمنعني من الوقوف على مجمل آراء المتابعين لأعمالي وأكون سعيدا بسماع تعليقاتهم خاصة وإنني كما أسلفت أتوجه في أفلامي لكل الأعمار وليس الأطفال فقط وبعيدا عن التعقيدات أو حشو القضايا الكبرى التي أرى موقعهما في الأفلام الدارجة بشقيها التسجيلي أو الروائي.

على ذكر أفلام السينما التسجيلية والروائية إلا تستفيد في إنجاز أفلامك الكارتونية من تلك القامات البديعة التي قدمتها كلاسيكيات السينما اليابانية طوال مائة عام ويحظر في ذهني الآن أعمال أكيرا كوروساوا و تاكيشي كيتانو ؟.

قد يصعب عليك كناقد سينمائي أن تتصور إنني لا أتابع جيدا هذه السينما وأنها أيضا لا تمنحني ذلك الخيال الذي أفكر فيه وأنا اصنع أفلامي الكارتونية، لكن هذا لا يمنع من إنني مواظب إلى حد الشغف بنوعية الأفلام التي أقدمها، فتراني على تواصل دائم مع الكثير من أفلام التحريك العالمية مثل تلك التي تقدمها استوديوهات والت دزني وما شابهها لكني أدين بالشيء الكثير إلى أفلام التحريك اليابانية القديمة والمعاصرة كالتي كان يحققها نيازاكي هياو احد اشهر رواد صانعي أفلام هذا النوع والذي استطاع أن ينطلق بشهرتها إلى خارج حدود اليابان منذ عقود بحيث نافست بقوة الكثير من أفلام الشركات الكبرى في العالم.

تبدو شديد الاعتناء في خلفية المشهد لأفلامك فهناك دوما عين بصرية نافذة وكأنها عين مدير تصوير بارع يأخذ في تكوين زوايا وكادرات أشبه باللوحة التشكيلية المفعمة بخطوط التدرج اللوني وتفيض بالنور والظلال التي توظفها على نحو درامي متين في حراك شخصياتك الكارتونية ، مثل هذه الأسلوبية قلما تنبه لها صانعي أفلام التحريك؟.

أرى إن ذلك يجيء بحكم عشقي للصورة أيا كانت تلك الصورة التي اشعر بها بإحساس نبض الواقع وتجلياته واشتغالي على الخلفيات بتركيز وإفاضة وكان ذلك جزء أساسي من الشخصية الرئيسية بالفيلم فأسلوبيتي تتطلب دائما التدقيق والحرص على المنظر بمجمله ولا اترك المتلقي يهتم فقط بالحدث فقط وإنما تلك الهوامش والمفردات البسيطة تظل موضع اهتمام أيضا بالنسبة للفيلم برمته واراها تخدم الفكرة والحدث الذي يحكم نسيج الفيلم فلا اترك شيء للصدفة أو تصطدم مع بيئة العمل فهي غالبا ما تتوافق مع حراك الشخصيات وتنصهر في معايشتها للواقع .

هناك شيء آخر يلفت في شخصياتك الكارتونية فضلا عن إيقاعها السريع قدرتها المتواصلة على استخدام وسائل مواصلات بدءا من الصاروخ بغية النفاذ إلى دهاليز الكون أو سكك حديد القطارات إلى جانب مشاهد السحاب الطائرات والسيارات وكأنها أشبه في حالة سفر دائم .. ماذا ترمي من وراء ذلك كله ؟.

إنها اليابان .. ثورة التكنولوجيا وعالم الاتصال الذي جعل كوكب الأرض كأنه قرية صغيرة تحتم علي اللجؤ إلى تفسير مشكلات وقضايا تنتاب عوالم شخصياتي بهذا وتغذي ذائقة المتلقي بأنماط من التواصل والتقارب مع الآخرين مهما كانت الفروقات اللغوية والثقافية والحضارية .. ثم ألا تتفق معي إن المجتمع الياباني الذي انتمي إليه دائم الانشغال بهذه العناصر وقطع من خلالها مشوارا عريضا في عالم الاتصال وتقنياته .

.. لكن اسمح لي أن أتساءل عن الجذور التاريخية التي تحتكم إليها هذا التكنولوجيا في تلازمها واتكائها على موروث من العادات والتقاليد والمعتقدات والتي أراها مغيبة في أفلامك .. ثم أليس من حق الناقد أن يتساءل عن شخصيات الساموراي التي طالما قدمتها السينما اليابانية طوال مسيرتها ؟.

هذا شيء طبيعي ولئن كنت لا تجده في أفلامي اليوم فلربما تراه غدا أو بعد غد، وكما شاهدت نماذج من أفلامي فهي لا تقدم أجزاء من الحالة التاريخية أو السياسية أو الاقتصادية بقدر ما تبحث عن خلق أنماط من المتعة والبهجة التي قد ترسل إشارة هنا أو هناك ، فقد اعتدت أن اترك ذلك للمتلقي بأن يغوص بنفسه ويبحث ببصيرة عن كل ما تشير إليه .

ماذا عن الموسيقى التي أراها تعزز من متعة متابعة أفلامك ؟.

منذ صغري وأنا أتعلق بكل ما تقدمه الشاشة التلفزيونية من إحساس بالصورة والصوت، وتحديدا هنا الموسيقى التصويرية والتي اتركها عادة إلى صديق موسيقي يصنع ألحانا مناسبة لأفلامي واراها مفعمة باللحن الهاديء البعيد عن الصخب والافتعال وغالبا ما نتحاور ونتشارك في اختيار القطع التي يقوم بتأليفها لأحداث الفيلم الأمر الذي يجعلها تواكب المراحل التي تمر بها الشخصيات ببراعة وسلاسة.

دخلت أفلام الكارتون حديثا في مجال التجريب السينمائي وصارت المهرجانات تترك حيزا لا يستهان به لتلك الأفلام الطافحة بالرسومات والألوان وهي تطل على المشاهد من باب السينما الجديدة التي يحققها شباب في مطلع حياتهم السينمائية .. برأيك هل يدعم ذلك صناعة أفلام الكارتون السائدة أو يضيف إليها أم أنها تعيق حركتها وتقلل من أهميتها ؟.

طبيعي أنت في السينما قد تجد الكثير من الاشتغالات على حقول الإبداع مجتمعة سواء في القصة أو الرواية مرورا بالمسرح وصولا إلى اللوحة التشكيلية والموسيقى الألوان وإمكانية اختصارها إلى لونين ابيض واسود وهذا يعود إلى أسلوبية صانع الأفلام والبيئة التي ينطلق منها فعلى الصعيد الشخصي أرحب بما ذكرت كله.. لكني أرى ذاتي بالتصاقي بالفيلم الكارتوني والذي سأظل أمينا على الأسلوبية التي اشتغلت إليها وقادتني إلى تحقيق إنجازات على أكثر من صعيد سواء في المهرجانات العالمية أو اعجاب رواد الصالات السينمائية الذي منحني القوة في مضاعفة الاهتمام وان أقوم بنقل هذه التجربة خارج اليابان وما وجودي اليوم بينكم هنا في عمان إلا احد الأهداف التي تحكم اختياري وشغفي بأفلام الكارتون وترويجها كلغة تعبير وافتتان وتواصل وأيضا فسحة للإطلاع والتحاور والكشف عن المواهب الشابة.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة