السبت 2024-12-14 09:30 م
 

بحجم ثقب الإبرة

07:53 ص

كان لي أم وجهها قمر كركي....
وأتذكر أنها كانت تجلس في سويعات العصر كي تلظم الخيط في الإبرة استعداداً لحياكة ورتق شقوق الملابس التي نتجت عن مشاجرات مدرسية عابرة....دخلتها بالصدفة.اضافة اعلان

وأنا كنت أجلس في زاوية (الدار) مراقبا لظمها للخيط، ويبدو أن العمر والأولاد وأبي سرقوا من نواظرها بعض الجذوة وبعض الحدة فباتت عيونها عاجزة عن رؤية ثقب الإبرة....واليدين كانتا ترتجفان من العمر الذي مر وكأنه تعب على تعب على..عشق لا ينفذ.
كانت تمضي دقائق في محاولات اللظم وتبدل الإبرة بواحدة أكبر وأنا اضحك وأدري أن العلة في العيون وليست في الإبرة...ولكن قلبي كان يتسع كلما ضاق ثقب الإبرة قلبي كان يتسع....وأتقدم منها واخذ الخيط وألظم لها وأبقى بجانبها....
صدقوني أنها ما أنهت يوما خياطة ملابسي إلا ونزف الدم من الأصابع..وتلقيت تعليمات واضحة تقضي بالإنتباه وعدم تمزيق الملابس...
غادرت الحياة ذات ربيع أخضر على عجل....وتركت لي من العمر إبرتها وخيوطا كانت تسميها (الفتلة )..(وسفط) الخياطة..وقلبي الذي ما عاد يتسع لشيء.
أنا خائف على الأردن وقلق..وأمي حين غادرت الدنيا وقررت الموت لم أكن أملك إرادة إبقائها على درب الحياة في ذلك الوقت لأن إرادة الله أكبر منا جميعا...أما بلدي فهو أمي وانا أملك إرادة القتال لأجله وسيبقى على خط الحياة.
صدقوني أن مشهد بلادي يشبه مشهد أمي...وأراقب بلادي في سويعات العصر وهي تحاول عبثا أن تلظم الخيط في ثقب الإبرة واي شقوق قررت أن تحيك أيتها البلاد....خيوط الأخوان المسلمين مهما حكت لهم من خيوط فلن يرتدوا من ثيابك شيئا...خيوط الحراكات...ومهما رتقت الثقب فلن يرضون من أغوتهم الدنيا والحال العربي أغواهم...شقوق الفساد..ومهما رتقت منها فلن تستر عورة نهب المال العام.
بلادي مثل أمي أتعبها الأولاد وأتعبتها الدنيا...وأتعبها عشق الدار...ونحن الذين أرهقناها بمسيراتنا..برفضنا بالتشكيك بكل شيء فيها...عيوننا لم تعد ترى غير شيء واحد....هو الرفض.
غادرت امي الحياة في اواخر نيسان وأودعتها تراب الكرك...حين كان زهر اللوز في اوجه وحين كان الدحنون قد اشتد إحمراره على وجه الارض وتركت دمعي وقتها يرويه.
أما بلادي فما زال قلبي يتسع لها..أعرف أنه ضيقوا الخيارات بحجم ثقب الإبرة جميعهم ضيقوا عليها الخيارات...ولكن القلوب الأردنية ستتسع لها ولن تسمح....للمشككين والرافضين وللحى المستعارة بأن يجعلوا خياراتنا ومساراتنا بحجم ثقب الإبرة...
الأردني حين يصاب باليتم...يشفي حزنه أن تراب الأردن هو الذي يضم جسد أمه....ولكنه في لحظة غضب يقرر أن لا يصاب باليتم مرتين وهذه البلاد هي أمنا التي لن نفقدها أو نبكي عليها في لحظة تعبها
وتبقى خياراتهم في السياسة ضيقة بحجم ثقب الإبرة...بعكس قلوب العشاق التي تتسع وتتسع وتتسع.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة