الأحد 2024-12-15 01:07 م
 

ذكريات من اليكسا .. هدى .. وجنى .. وما قبلها

12:43 م

زارنا الثلج هذا العام أكثر من مرة، كسا خلالها مروجنا، وأدخل علينا وعلى أطفالنا جزءا من الفرح والنقاء، متعنا برؤية كساء أبيض يزين عماننا، وألبس محافظاتنا بدلة بيضاء نقية، ناقية، فبتنا مجبرين على مساكنة المنزل وعدم الخروج، والاستماع لنشرات التلفاز، وما يقوله الدفاع المدني، والتمتع بالبطاطا المشوية والبوشار، ولا بأس بصحن من العدس.اضافة اعلان

أعادنا الثلج لسنين خلت قبل 25 عاما، كان قد زارنا الثلج فيها أكثر من مرة، ورغم ذلك كنا نتمتع فيه أكثر، كنا نخرج للشوارع غير آبهين بارتفاع الثلج وخطر المغامرة، وكان رجل الثلج سيد الموقف في كل منطقة وحي وحارة وزقاق، وفي الوجدان مغامرات لم تكن قد انتهت بعد.
وقتذاك، لم يكن التلفزيون الأردني يحذرنا من خطر الخروج من المنزل بذات القسوة التي يحذرنا بها الآن، أو ربما كان يفعل ذلك ولكننا لم نكن نكترث، وخاصة أن أغلب المسرحيات التي كانت تعيد شاشتنا الوطنية بثها عند سقوط الثلج بتنا نحفظها عن ظهر قلب، بالمناسبة لم يكن يوجد شاشة أخرى نلوذ بها، باستثناء إمكانية الحصول على بث التلفزيون السوري الأرضي في بعض المناطق، وليس كلها.
رغم ذلك، كان الثلج مختلفا، ربما نحن كنا مختلفين وليس الثلج، إذ كانت اسرائيل ما تزال عند سواد الناس إن لم يكن أغلبهم (طبعا في الأردن والدول العربية)، العدو رقم واحد في المنطقة، ولا يوجد عدو غيرها، وكانت سورية في عنفوانها، ولبنان يلملم أشلاء حربه الأهلية وينهض، وقلب مصر ينبض، والعراق رغم معركة الحصار والتجويع ما يزال واقفا، ولم يقع.
كانت الجغرافيا هي ذاتها التي درسناها في الصفوف المدرسية، فكنا عندما نقول 'بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان، ومن نجد إلى يمن إلى مصر فتطوان'، نعرف جميعا عن أي جغرافيا نتحدث، ونعرف الحواضن التي تعلمناها، وموقعها وجغرافيتها.
أما اليوم فربما بات لتلك الأنشودة عنوان آخر، وبات البعض منا بدل ان يتحدث عن (بلاد العرب اوطاني) يستبدلها بـ(بلاد الرعب اوطاني)، ولم لا فقد حول الظلاميون والعصابات الإجرامية وجه الشام وبغداد، وعاثوا فيهما فسادا وإفسادا وتقطيعا وتمزيقا، وباتت اليمن تصارع في البحث عن نفسها، ومصر غارقة في معركة شرقية وغربية طاحنة في رحلة البحث عن الأمن والاستقرار، وفي الأفق ما يزال أولئك المتوشحون بالسواد يحرقون ويقطعون الرؤوس، ويفسدون في الارض، ويسبون، ويغنمون، فلم تعد اسرائيل تعني للكثيرين شيئا، وبات الهم الأول الحفاظ على ما تبقى من حدود.
في الثلج، وأنت وأطفالك حول المدفئة، تعود بك الذكريات لأيام عشناها، خاصة عندما يسألك اأطفالك عن واقع عربي سابق، تتنهد وتعيد شرح ما جرى خلال السنوات الـ25 الماضية، تتوقف هنيهة، وكأنك تحكي حكاية قديمة، مر عليها آلاف السنين، تعجب من نفسك، فأغلب من تذكرهم ماتوا، أو ذهبوا، فتغيرت خريطة الدول والأشخاص، واختلف التموضع، ويتوسع هذا الشعور عندما تصمت وأنت تستذكر شريط الذكريات، وتقارن ما آلت اليه الاوضاع.
وفي غمرة كلام التلفاز، وضيوف البرامج والمتصلين عن فتح الطرق وانقطاع الكهرباء، والتهافت على الخبز والغاز، يشدك التفكير لما يجري حولنا، والتغييرات التي يراد لها ان تمر في منطقتنا، وتفزع من حجم الأسى الذي بتنا نعيشه كل يوم، حزنا على واقع عربي فرقته السنين، ودول عربية مزقها ظلاميون جهلة، زرعوا في حواضننا القتل والسوداوية والجهل والتخلف، وأعادونا مئات السنين للوراء.
في الثلج تسرح في الخيال، فيستفزك بروز دول لم يكن لها أثر أو تأثير في الماضي، فباتت بفعل المتغيرات التي حصلت، سيدة الموقف، وبطلة المشهد من أوله حتى آخره، فيما غابت عواصم وازنة كانت على مر سنين هي صاحبة الأثر الفاعل والحضور الوازن.
ترى...، كيف سيكون حالنا في الثلجة المقبلة؟!


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة