الوكيل - ما حدث في الجزائر في عقد التسعينات يكفي لمئات الروايات والأفلام وكل أنواع الفنون والإبداع الأخرى. لكنه، على فداحته، لم ينل حظه من الاهتمام على ما يبدو. ومع ابتعاد هذه الحقبة زمنيا، شيئا فشيئا، سيكون مَـن يريد استدراك بعض الشيء عن وقائعها كأنه يكتب تاريخاً لا وقائعَ.
إذا اكتفينا بالوقوف عند الأدب، أو الأدب الصحافي ـ إن جازت التسمية ـ أو أدب الوقائع، يسهل الاستنتاج أنها قليلة هي الروايات التي خاضت في عمق ما عانته الجزائر من دمار وما كابده الجزائريون من معاناة يكاد من عاشها لا يصدّق اليوم أنه خرج منها سالماً.
وأقل هي تلك التي خاضت في الأمر بشكل مختلف عن ثنائية: جماعات إرهابية شريرة ضد سلطة عادلة نقية تحاربها حبّأً في البلاد والناس.
واحدة من الروايات التي خاضت في هذا الاتجاه ألـّفها الصحافي والكاتب نصر الدين علوي. عنوانها ‘الريميس′. والكلمة الأخيرة هي اسم كاف أو منحدر سحيق له تاريخ خاص، لأحد جسور مدينة قسنطينة، المدينة الرومانية التي توصف اليوم بأنها عاصمة الشرق الجزائري. والمدينة التي يبكيها أبناؤها ـ أدباً ـ أكثر من أية مدينة جزائرية أخرى.
في الريميس مجموعة من الخيوط المتداخلة والمتشعبة نشعب محنة الجزائر في التسعينات عندما اختلط إرهاب الجماعات المتشددة بإرهاب ـ ربما نوع آخر ـ لمجموعات الحكم الغامضة هي الأخرى بشكل يجعل كل شخص ومجموعة موضع شك ومشروع خصم وعدو لشخص آخر ومجموعة أخرى.
أهم عنوان في الرواية، الاختراق والحيطان السميكة المفروضة على الناس وبينهم حتى وهم في مكتب واحد ومصلحة واحدة يعتقدون أنهم يشتركون حول هدف واحد ويخدمون وطناً واحداً. مجموعات الحكم تعمل منفردة، وبدون توقف، على اختراق الجماعات المتشددة. وللأخيرة أساليبها ووسائلها التي تعمل من خلالها، دون توقف أيضا، على اختراق مجموعات الحكم.
والحصيلة شك مَرضيٌ كبير في كل شيء وكل الناس.
يتجسد هذا الأمر في ذروته مرتين: الأول عندما يكتشف بطل الرواية، برهان، في آخر فصولها المعقدة والمتشابكة، أن حبيبته في الجامعة، ريما، هي الآن زوجة ـ لاحقاً أرملة ـ زعيم عصابة تهرّب السلاح إلى الجزائر من أوروبا، كان هو ذاته ـ برهان ـ مكلفا بملاحقتها وفكّ ألغازها.
والثانية عندما يسود شك كبير بين برهان واثنين من أقرب أصدقائه وزملائه في العمل بجهاز المخابرات. الثلاثة أصدقاء منذ ما قبل الحريق الجزائري، منذ سنوات الجامعة. لكن منطق الصراع وغريزة البقاء قضيا على رصيد الماضي الذي راكمته سنوات الثمانينات عندما كان الجزائريون يعتقدون أنهم يعيشيون أفضل الممكن منذ الاستقلال.
في الثمانينات ـ وهذا في الواقع قبل الرواية ـ فتحت مؤسسات الحكم الجزائري من جيش وشرطة ومخابرات أبوابها لقوافل من الخريجين الجدد، كثيرون منهم من أبناء الشعب الفقراء القادمين حديثاً الى العاصمة، وكثيرون منهم جاؤوا إليها مدفوعين بحاجتهم إلى الدراسة بالجامعة. فالتحق العشرات بالجيش والمخابرات وبدأوا التدرج في سلم الرتب والمسؤوليات. هؤلاء هم الذين سيصبحون لاحقا وقود الحرب التي كانت تتربص بشبابهم وطموحاتهم في الزاوية.. بعد سنوات قليلة جداً. حرب اغتالت أحلام جيل كامل.
برهان واحد من هذا الجيل.
وبرهان هو أي شاب جزائري وُلد بعد الاستقلال وقطع مشوارا طبيعيا الى حد ما في طفولته ومراهقته وشبابه إلى أن تخرج من الجامعة. ثم توّج ذلك بنجاح شخصي من خلال التحاقه بالمخابرات التي شاع في جزائر التسعينات أنها أقرب إلى المرء من حبل الوريد، تعرف كل شاردة وواردة.
نقطة ضعف الرواية قد تكمن في اللغة الحوارية. إذ كلما تعلق الأمر بحوار بين طرفين أو أكثر، ينزل مستوى اللغة إلى ما يشبه كثيرا لغة ومفردات الصحافة اليومية الجزائرية.
عن هذا يقول المؤلف: لأنني صحافي أولاً. كما إنني لم أزعم يوماً أنني أديب أو روائي.
لكن موضوع القصة يشفع لها عن الباقي.
شخصياً، حرضتني الرواية على العودة لقراءة أكثر من كتاب عن جزائر التسعينات، بعضها ألـّفه ضباط سابقون انشقوا عن الجيش أو استقالوا منه. فقد اكتشفتُ، بعد قراءة ‘الريميس′، أن هناك آفة اسمها النسيان. وعودتي لقراءة تلك الكتب هي لكي ـ شخصياً ـ لا أنسى. ولكي أمنع زوال حقدي عن أولئك الذين، من الجهتين، زجّوا ببلادي وجيلي في حرب بدأت ولم نعرف لماذا وانتهت ولم نعرف لماذا.
وبين البداية والنهاية ضاع بلد جميل وكبير: مئتا ألف قتيل، مليون مشرد ونازح ولاجئ، آلاف المختفين قسراً، مجتمع مصدوم نفسيا بحاجة إلى علاج جماعي.. وقائمة من الخراب محزنة ومخزية في الوقت ذاته.
الريميس، إذاً، هي محاولة خروج عن ثنائية الخير والشر، الأبيض والأسود، كن معنا أو أنت ضدنا. ثنائية تكرست أثناء الحرب الأهلية الجزائرية على صفحات الجرائد وفي صالونات السياسة، والأخطر في أذهان كثير من الناس صدّقوا فعلاً ان خلاصهم وخلاص البلاد على يد الجنرال خالد نزار ورفاقه ولا أحد غيرهم على الرغم من أن التاريخ لا يحفظ في ثناياه أن مشعل الحريق ينجح في التحوّل إلى إطفائي.
ـ الرواية: ‘الريميس′
ـ المؤلف: نصر الدين علوي
ـ الناشر: دار الفارابي، بيروت
ـ 150 صفحة من الحجم المتوسط
‘ كاتب من الجزائر يقيم في الدوحة
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو