(زود) .. الأردني

طلبت المدرسة مني شهادة ميلاد (زود)..إبني، وقد جهزتها صباح اليوم لحظة كتابة مقالي كي اضعها في حقيبته المدرسية...وكان الفتى يتأملها ولأنه في (الكي جي 2) ولم يتقن القراءة طلب مني قراءة تفاصيلها...قرأت اسمه واسم أبيه وتاريخ ميلاده وحين وصلنا للجنسية...وقرأت له أنه أردني سألني....(شو يعني)....؟اضافة اعلان

تذكرت أنه مازال طفلا واستدركت غضبي...وربما سيأتي يوما يأخذني تراب الكرك من العمر هذا واسجى تحته..ويكبر الفتى ويقرأ في سويعات الفجر بعضا مما كتبت عنه وله...مما كتبت عن (الأردني)...
يا فتى..الأردني هو الكف التي تقاتل المخرز وينزف المخرز نحن الهوية الوحيدة في الدنيا التي تجعل المخرز ينزف..والأردني يا (زود) هو امتداد سمرة صايل شهوان هو قتال عطا الله غاصب..هو دم وصفي التل المراق على شط النيل....الأردني يا(زود) هو اللواء أربعين وباب الواد...وهو الجبل الشامخ الذي عروه من الشجر..وأقاموا طقسا للموت على سفوحه ولكنه الجبل...الذي لا يهدم ولا يزال ولا يموت
الأردني يا (زود)....هو صحراء رم والجنوب والتي قال حبيب الزيودي عنها أن فتية أردنيين قد خيطوها من دمهم..وأنهم علموا أهلها التحنان والطربا.. وأنهم وضعوا لها أوتادا..نحن يا ولدي من فردنا سجادة من الرمل والطيب والشهامة والقهوة الصهباء والسيوف على هذا البر....
والأردني هو الصابر على سيف (ابن العم)..والصابر على ظلم ذوي القربى وهو الذي قال عنه الشاعر :- (قد يأكلون لفرط الجوع أنفسهم لكنهم من قدور الغير ما أكلوا)....
لا تصدقهم إن قالوا لك أننا نعاني من أزمة هوية لا تصدقهم واستفتي القلب وستجد تراب الجنوب يحمل من وجوهنا تفاصيلها وسيدلك قمح حوران على العشق..والظبي الشمالي....لا تصدقهم يا ولدي إن قالو لك أن هذا الوطن سيكون مشروعا بديلا....وأخبرهم ان القتال حين فرض علينا لم تقبل الساحات بديلا عن ذاك البدوي الاسمر الذي جاء من بطن الصحراء وقاتل عن فلسطين وباسمها....وقل لهم أيضا أن التاريخ لم يقبل عن الأردني بديلا في صفحاته أخبرهم أن أرض الجولان ايضا لم ترض هي الأخرى بديلا عن جنازير دبابات (السنتوريون) ولم ترض بغير فريد الشيشاني شهيدا يعطر مساء فلسطين ومساء الدنيا بفوح دمه....سيقولون لك أيضا حين تكبر أنك مهدد وأن وجودك في خطر..فاخبرهم أن وصفي التل كان مهددا وارتضى الشهادة وقالوا ان الأردن بعد وصفي سيغرق بالحزن والفوضى وكانت روحه معنا تعبر بنا الى خط النهوض...والوقوف مجددا...وذات يوم كي يكسروا زند الأردني قتلوا هزاع، وأخبرونا أن مشروع ابن العشيرة في القيادة صعب وعلى الوطن أن يبدل من تحالفاته...ولكن جسده لم تحمله الأكف بل حملته المدائن...نابلس والكرك وعمان والسلط..حملت كلها جسد هزاع وشيعته....نحن يا ولدي لا نرضى للناس وحدها أن تحمل نعوش الشهداء بل هي المدن أيضا تحتفل بهم..
وأخبرهم عن الجيش ما مر يوم في عمر مقالي المتعب إلا وحضر الجيش..أخبرهم أن أهلك الذين كانوا ضباطا في الكتائب وأخبرهم أنهم...قاتلوا إسرائيل (50) عاما وما تخلفوا عن صولة...ولا هادنوا وسيأتي زمن جديد على الجيل القادم يقام فيه للبندقية طقس آخر وللشهادة موعد وإن أجلت المواعيد...
أخبرهم عن الجيش عن الضباط الذين ما اختبئوا خلف زيتون الخليل بل جعلوا زيتونها خلفهم وقاتلوا دفاعا عن الشجر والحجر والإنسان..أخبرهم عن السموع...عن معارك بوابة (مندلبورم) وقل أن ضابطا من أهلك اسمه عاطف المجالي امر البنادق أن تزغرد على تلك البوابة وأوجع اليهود واقام فيهم الذبح....
هل عرفت من هو الأردني ؟..هو الذي تخجل الدنيا من كبريائه والله يحميه إن ارخى الجبهة ساجدا لله وإن جثم على ركبتيه في كنائس الوطن طالبا السلام والمحبة...وهو ينزف منذ فجر الدولة يا (زود) وأهلك ينزفون تماما مثل رجل يمضي في الدرب وسكين مغروس في الخاصرة ويصر أن يكمل الدرب...وسيكمل وسنقيم لكم أنتم جيل الغد القادم وطنا جديدا...صدقني أنهم سيخسرون وأنتم ستنتصرون...صدقني أنه وطن لن يكون بديلا لأحد ولن يهزم ولن يكسر ولن تنثني همته...
يا اغلى وأجمل وأحب فتى..ويا قلبي ونبضي سيمر يوم من أيام العمر يكون فيه جسدي مسجى تحت تراب الكرك وتكون أنت قد كبرت... كبرت مثل الزيتون مثل الأحلام المشروعة مثل المجد إذا استقر على شجر الغار...وستكمل دربنا أعرف أن دربنا صبر وبلوى ومواجع...ولكنه درب الاردني الشهم الحر الصابر القوي الطيب..حماك الله...
وعاش الأردني....