الأحد 2024-12-15 06:44 ص
 

على العكس تماما!

09:52 ص

تمرّر نخب سياسية محافظة وأخرى قريبة من الخط الرسمي، شعارات وأجندات تشي بأنّ الأمن اليوم مقدّم على موضوعات الإصلاح، وتحديداً الديمقراطي منه، في ظل ما تمور به المنطقة من أزمات وفتن وحروب أهلية وداخلية، وصعودٍ للجماعات المتشددة مثل 'داعش'؛ فالأفضل أن نركّز على حماية البلاد من خطر الفوضى المحيطة، بالتركيز على الاستقرار الأمني والسياسي بصورة أساسية.اضافة اعلان

على العكس تماماً من هذه 'الدعوى'، فإنّ النظر إلى ما يحدث في المنطقة العربية المحيطة يؤكّد على أولوية الإصلاحات الوطنية، وفي مقدمتها الديمقراطي والحاكمية الرشيدة، والتأكيد على قيم المواطنة وسيادة القانون، والوصول إلى أكبر قدر ممكن من العدالة، وتوفير الخدمات الأساسية، ومحاصرة مشاعر الإحباط وخيبة الأمل، كما الشعور بالتهميش والإقصاء، سواء كان بصورته السياسية أو الاقتصادية المجتمعية. فالإصلاحات هي الضمانة الكبرى والأولى ضد الوصول إلى ما وصلت إليه الدول العربية الغارقة اليوم في بحور الفوضى والدمار والدماء!
من أين لك هذه النتيجة؟.. باختصار، من قراءة الشروط والظروف التي ولّدت حالة الفوضى المتدحرجة في تلك الدول. وهي ابتداءً، قبل أن تتحول إلى حروب بالوكالة، كانت ظروفاً داخلية، في سورية والعراق واليمن وليبيا. فهي ليست ناجمة عن 'الربيع العربي'، كما يسوّق البعض اليوم، بل على العكس تماماً؛ هي نتاج ممانعة مسار الديمقراطية والإصلاح، والإصرار على الحكم الاستبدادي والدموي وسياسات الإقصاء والتهميش.
الخطر الحقيقي اليوم يأتي من الداخل؛ فالمجتمعات التي تسير نحو الديمقراطية والعدالة والمواطنة، والشرعية السياسية القائمة على توافقات داخلية، هي الأكثر تحصيناً من فيروس الفوضى والأزمات الداخلية. حتى 'داعش' وأخواته هي بالدرجة الأولى نتاج هذه الظروف القاسية وغير الصحيّة، وإذا كانت وجدت لها تربة مناسبة في دول ديمقراطية، أو على الطريق، فإنّها في تلك المجتمعات مرتبطة، أيضاً، بمشكلات لها علاقة بالهوية والإقصاء، أو حتى بظروف نفسية، لكنّها تبقى هناك هامشية مقارنة بالتيار العام!
إذن، لا يجوز أن تكون 'الحرب على الإرهاب' شمّاعة للتيار المحافظ لمواجهة الطموح الديمقراطي والإصلاحي، فما يحدث هو ضد هذا التيار تماماً. وربما من أجمل ما قرأت مؤخراً بما يعزّز الأفكار التي ندافع عنها دائماً، مقال لإيلي أبوعون، نُشر في مجلة 'السياسة الخارجية' بعنوان 'التغلب على داعش لن يصلح العراق' (ترجمها لـ'الغد' أمس الزميل عبدالرحمن الحسيني). فهو مقال في الصميم؛ إذ يشرح تماماً الظروف التي تشكّل البيئة النموذجية لداعش وأخواته، ولينتهي أبو عون إلى القول: 'إنّ الدول الضعيفة مثل العراق تعمل مثل صحون زرع البكتيريا في المختبرات بالنسبة للتطرف.. ويدفع افتقار الدول للشرعية الناس إلى الارتماء في أحضان الأيديولوجيا التطرفية'.
تتساءل داليا مصطفى، وهي مديرة الأبحاث في معهد السياسة والتفاهم الاجتماعي في واشنطن: 'لو لم يكن الإسلام موجوداً... هل كانت مجموعة مثل 'داعش'، مع كل الحقائق الأخرى المحيطة بها، ستكون موجودة اليوم وتفعل الأشياء نفسها؟'. وتجيب بـ: 'نعم'.
وتضيف أنّ العلاقة بين النصوص الإسلامية ووحشية 'داعش' هي في الواقع عكس ما يدّعي 'داعش' والعديد من أعدائه. وتقول الباحثة إن تفسير مجموعة من النصوص الإسلامية ليس هو ما يقود وحشية 'داعش'؛ بل الوحشية التي ترغب بها المجموعة هي ما يقود تفسيرها للنصوص.
في النهاية، الظروف الاجتماعية والسياسية؛ بغياب الديمقراطية والآفاق السلمية في التغيير، ومشاعر الإحباط واليأس، والتهميش والإقصاء، وتهشيم الطبقة الوسطى، والشعور بغياب العدالة.. كل تلك هي المفاتيح الذهبية لفهم 'داعش'، ولنجاح وصفة الاستقرار الداخلي في المقابل.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة