الخميس 2024-12-12 09:22 ص
 

غزة:من رحم "مخزن" حاولت الكلاب قتل عائلة بأكملها

09:51 ص

الوكيل - في مساء يومٍ جميل ذا شمس خجولة السطوع, كنت أقوم بجولة تصوير مع فريق يقوم برياضة التزلج في الشوارع بواسطة أحذية ' السكيت' , حينها كنت سعيداً بسبب الطاقة الجميلة والإبداع والمغامرة التي كانت تدفق من ذلك الفريق الذي يحاول أن يصنع بصمة جميلة بأدوات بسيطة ترتقي بموهبتهم نحو التألق والاحتراف.اضافة اعلان


تلك الحركات القوية والمثيرة التي كان يؤديها الفريق لم تمنعني أن أشعر بشيء غريب يحيط بحولهم لم أستطع تحديده، لكنه أقوى وأشد تأثيراً على قلبي من وقع السيوف, حتى وجدت عاهد.

الطفل عاهد أبو طبق (10 سنوات) ذلك الصغير القصير الذي كان من الصعب تمييزه بين من هم طوال القامة من الفريق إلا أن قصره لم يمنعني أن أجده و أشعر به و بقوة أيضاً , فعيناه نطقت بل صرخت وقالت 'ها أنا هنا أحيا قليلاً لكن أموت كثيراً'.

ذهبت بسرعة إليه بعد أن لاحظت شيئاً في حذائه وسألته كيف تلعب وحذاؤك 'السكيت' الخاص بك مهترئ جداً ؟ , ابتسم وقال : ' هي إلي عندي ' .

سألته عن اسمه و مكان سكنه , فأجاب بأن اسمه 'عاهد' وأنه يسكن في ' المخزن ', تعجبت وقلت : 'المخزن' ؟!! , اعتقدت أنه سيقول لي أنه من سكان مخيم جباليا أو بيت لاهيا أو ما شابه , لكنه فاجأني أفصح بـ 'المخزن'.

أدركت حينها أن شعوري كان في محله وأن أمراً جلل عظيم يعيشه هذه الطفل, فقلت له :' كيف تعيش في المخزن ؟'

قال عاهد : أعيش هنا أنا وأخوتي وأبي وأمي في ذلك المخزن الصغير الذي بجوارنا.

صدمت وطلبت من عاهد أن يأخذني إلى ذلك المخزن الصغير حتى أعرف تفاصيل حياته من والديه، حتى قابلتهما وتحدثا عن تفاصيل حياتهما في ذلك المخزن.

يشرح عماد أبو طبق (35 عاما ) والد عاهد لدنيا الوطن قائلاً : 'استمرت حياتي لمدة 13 عام و أنا مستأجر لا أمتلك بيتاً خاصاً حيث أتنقل من بيت لآخر, فبعد العدوان الإسرائيلي الأخير، قصف منزل أصحاب البيت الذي كنت مستأجرا فيه وطلبوا مني تسليم البيت لهم فقررت وضع زوجتي عند أهلها لفترة وأنا و أولادي مكثنا عند أهلي حتى أجد بيت أستطيع استئجاره, ولكن وبسبب غلاء أسعار الإيجار الذي يتراوح من 800 إلى 1000 شيكل شهرياً لم أتمكن حتى الآن من استئجار بيت'

وعن سبب ظروفه المادية الصعبة أوضح عماد, أنه كان خياطا في بداية عمره منذ أن كان يناهز 15 عام, و بعد ذلك ترك مهنة الخياطة لأنها لم تجدي كالسابق ليعمل سائقاً بعدها لعله يسكت جوعه وجوع أطفاله, حتى أصابه غضروف في ظهره و توسع شديد بين الفقرات على إثره أجرى عملية جراحية تعتبر ناجحة لكن بسبب عودته وحاجته للعمل و التنقل بين البيوت والحمل والعتل تدهورت صحته وعاد الألم الشديد مكان العملية مما جعله طريحاً لا يستطيع العمل وتوفير قوت يومه لتصبيه بعد ذلك آلام في مفاصل قدميه.

تلك العوامل من الفقر والمرض والغلاء دفعت عماد للعيش مع أسرته المكونة من 6 أفراد في أحد المخازن التابعة لبلدية بيت لاهيا في سوق أبراج الشيخ زايد شمال قطاع غزة .

بلدية بيت لاهيا طالبت عماد المغادرة فوراً، مدعيةً أن هذا مخزن يتبع للبلدية وهو مخصص لأعمال السوق ولا يجوز له ولأسرته المكوث فيه، مانحةً إياه مهلة للرحيل إلى يوم الأحد القادم.

من يرى ذلك المخزن لا يستطيع أن ينتظر أمراً من البلدية من أجل المغادرة، فالحياة ولو لدقيقة واحدة في ذلك المخزن تدفع أي شخص إلى -ليس مغادرة ذلك المخزن فقط- الذي يبدو كعلبة الكبريت بل من الحياة بأكملها.

تصف أم عاهد أبو طبق (30 عاما) أن الحياة في ذلك المخزن كالحياة في الجحيم, فهي صعبة جداً لما تحتوي من متاعب صحية ونفسية بل ومخاطر تهدد حياة أطفالهم .

تقول أم عاهد :' ليس لدينا كهرباء وليس لدينا ماء وليس لدينا ثلاجة وليس لدينا غاز وليس لدينا طعام إلا سوى تلك الخزانة المهترئة وبعض المستلزمات البسيطة جداً , بالإضافة إلى انتشار الحشرات وانعدام الهواء بسبب عدم وجود منافذ للمخزن سوى بابه الذي لا نستطيع فتحته دائماً '

وتابعت أم عاهد وقد بدا عليها التعب والإرهاق : ' في يوم من الأيام كنا نائمين واحتجت للذهاب إلى الحمام لكن للأسف لا يوجد حمام سوى حمام واحد خارج المخزن في آخر مجمع السوق, فطلبت من زوجي أن يأخذني إلى ذلك الحمام البعيد وبالفعل ذهبت، وما انتهيت وعدت أنا وزوجي إلى مخزن حتى وجدت بعض الكلاب تتوسط المخزن بين أطفالي ففزعت وقمت بالصراخ واستيقظ أطفالي يصرخون من هول المشهد, أطفالي إلى هذه اللحظة تراودهم التهيؤات والكوابيس بسبب تلك الكلاب بالإضافة إلى الأمراض كضيق التنفس والحساسية نتيجة بقائهم في ذلك المخزن '.

موهبة عاهد في لعبة 'السكيت' التي ولدت من رحم ذلك المخزن الضيق لم تكن بالولادة السهلة بل كانت عسيرة، بل كانت ستموت لولا الله ثم تدخل طرف آخر, تقول أم عاهد لمراسل دنيا الوطن: 'عندما سكنا هذا المخزن ابتعد أطفالي عن أصدقائهم وأصبحوا وحيدين لا يفعلون شيئاً سوى النظر في بعضهم البعض , لكن في يوم من الأيام أصبح يخرج عاهد بالقرب من المخزن ويشاهد بعض الأولاد يلعبون السكيت مما آثار إعجابه للعب هذه اللعبة'

وتضيف ' كان يأتي عاهد إلي ويتوسل إلي ولوالده كي نشتري له حذاء السكيت لكن بسبب وضعنا المادي الصعب لم نستطيع توفيره له وكانت قلوبنا تعتصر ألماً على حزنه بسبب رغبته الشديدة في ذلك الحذاء'

كان لابد من تدخل إلهي كي ينقذ موهبة عاهد من اليأس وشغفه في لعبة 'السكيت' ، فكانت خالته هي المنقذ

يسرد عاهد ' في يوم من الأيام وبشكل مفاجئ عرفنا أن شخص يريد بيع الحذاء الخاص بـه بـ 20 شيكل فعندما علمت خالتي بذلك قامت بدفع ثمن الحذاء وأهدته لي'

20 شيكل ربما تكون قليلة في وجهة نظر الغير لكن ربما في نظر أسرة عاهد هي عقبة كبيرة وكبيرة جداً كادت أن تفتك بموهبة وأمنية عاهد في احتراف تلك اللعبة.

ربما المال ليس هو فقط من قد يدمر حلم طفل بل كلمة صغيرة من الممكن أن تقتل حلمه أيضاً , فعاهد لا ينسى ذلك الفتى الذي قال له ' كيف بتلعب و أواعيك بتخزي؟ '

تلك الجملة كادت أن تطرح بموهبة عاهد إلى أبد الآبدين, لكن من يعشق شيئاً بقوة يعلم تماماً مدى استعداده للموت والتضحية من أجله، تماماً كعشق الشعب الفلسطيني لأرضه, فقدم عاهد الآن أصبح على أول سلم الاحتراف في تلك الهواية, فـ 'عاهد' وشقيقته 'دنيا' ما زالا يتسابقان في التسبيح والدعاء لله طالبين منه النجاة من ذلك الدرك الأسفل من 'المخزن'، فهل من مسئول أو فاعل خير ينقذهما.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة