الأحد 2024-12-15 06:54 ص
 

لا دخان بدون نار

09:46 ص

في هذا البلد الجميل، أصبح السير للأمام مثل التحرك في حقول الألغام. على اليمين والشمال ومن الأمام وفي الخلف مفاجآت كثيرة بعضها لا يسر أبدا. في كل يوم نسمع عن مستثمر هارب وعن فاسد يتمتع بنفوذ فتختفي القصة ولا نسمع تفصيلاتها فيختلط الحابل بالنابل ونغدو غير قادرين على التمييز بين الإشاعة والحقيقة.اضافة اعلان


في الفضاء الإعلامي الأردني عشرات المحطات الإذاعية والتلفزيونية، ومع ذلك ما يزال المشهد تحت سيطرة المواقع الالكترونية وصفحات الناشرين والمدونين وقنوات البث التي أسسها الكثير من الشباب والإعلاميين والمشاهير ومن يطمحون الى شهرة أوسع.

بعد ظهور قناة المملكة استبشرنا خيرا وقلنا إننا سنتخلص من كل المعوقات التي جعلت إعلامنا الرسمي يتأخر في الإجابات عن الأسئلة الملحة والمتعلقة بالاهتمامات والقضايا التي تشغلنا. الكثير من الأسئلة والقضايا التي يثيرها الناس ما تزال بعيدة عن اهتمام عدسات وميكروفونات ونصوص الأخبار في وسائل الإعلام المحلية. ما إن تدير مفتاح أي من القنوات حتى ترى الكثير عما يدور في العراق وليبيا وسورية واليمن ولويزيانا والصين، لكنك لا تجد شيئا عن قضايا الجرائم والفساد والكولسات التي تتم في الغرف والردهات والفضاءات المختلفة.

الكثير مما يشبع فضول المواطن ويجيب عن أسئلته تتصدى له المواقع الإخبارية الإلكترونية وصفحات الناشطين. التحليلات متفاوتة العمق والمصداقية تجدها على قنوات البث الخاصة التي يديرها أشخاص ولا وسيلة للتحقق مما يبث على أثيرها.

حتى مساء الجمعة، كنا نظن أننا سنستمتع بصيف أقل سخونة وجفافا مما شهدته البلاد في الأعوام السابقة. هذا المناخ الجديد تزامن مع انخفاض نسبي لمعدلات الاستفزاز التي كانت السمة الأبرز للمزاج الشعبي منذ أعوام. الهدوء والاعتدال النسبي الذي بدأ يظهر على لغة البعض وحواراتهم لا ينفي استمرار وجود الغضب والإحباط لدى شرائح واسعة من الناس.

الأحداث التي انطلقت في نهايات أيار الماضي وحركات التظاهر والاحتجاج التي عمت بلدات وقرى المملكة بعد سلسلة إجراءات الرفع للضرائب والأسعار شكلت تحولا في الطريقة التي يتعامل فيها الناس مع القضايا العامة ونموذجا جديدا في تجاوب الدولة مع المطالب الشعبية. الدولة والجمهور وقوات الأمن تعاملت خلال الأحداث بمرونة وتفاهم حازا على تقدير المراقبين محليا وعالميا.

خلال الأيام الأولى من حزيران، تحرك الشارع ليطالب بخفض الأسعار وسحب مشروع القانون الجدلي وإقالة الحكومة ومحاسبة الفاسدين وغيرها من المطالب. على وقع كل هذه المطالب، جاء تكليف الدكتور عمر الرزاز بتشكيل الحكومة الجديدة بأجندة فصلها كتاب التكليف.

النهوض الوطني والعقد الاجتماعي ومراجعة النظام الضريبي من خلال حوار وطني يشارك به الجميع، كانت أبرز ملامح الخطاب الحكومي الذي تبلور عبر أيام المشاورات التي عقدها الرئيس مع القوى والفعاليات والاتجاهات المتنوعة لاختيار فريقه الحكومي.

اليوم، يواجه الرئيس الذي أحبه الناس تحديات من نوع آخر بعضها قديم وبعضها متجدد. الكثير من المستفيدين من الوضع الراهن يحاولون إسقاط الحكومة والعودة عن النهج الذي قد يهدد مصالحهم؛ نهج الاختباء خلف أسوار الانتماء والوطنية وممارسة الكثير من أشكال السمسرة والتوسط والتجارة، ولا يجدون في ديناميكية الرئيس وقربه من الناس وتعاطفه الكبير مع الفقراء ما يطمئنهم على حماية استثماراتهم وأعمالهم التي استفادت من التداخلات والتعقيدات التي نجمت عن حركات الاحتجاج المصاحبة للربيع العربي.

اليوم يدخل الحكومة الأردنية أصعب اختباراتها، فإما أن تقف صلبة شفافة صادقة وتعمل على نبش أعشاش الفساد فتكسب الشارع وتنعش الآمال أو أن تعمل على لفلفة الموضوع والعودة الى مرحلة كله تمام وتقتل أحلام الشعب وطموحات أهله في حياة كريمة ومستقبل آمن ومجتمع يحرص الجميع على تنقية قيمه وممارساته من كل ما علق بها وقتل الرغبة في العمل والنجاح والتميز لحساب الأعطيات والامتيازات وخصخصة الموقع العام لحساب شاغله.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة