الخميس 2024-12-12 08:43 ص
 

للمحاربين القدامى والدم الطاهر

02:15 م

خلد التاريخ أسماء قادة عسكريين ولكنه ظلم العنصر الأساس في المعارك وهم الجنود الذين لولا استبسالهم لما انتصرت الجيوش ولا صنع القادة مجدهم , و باستثناء قلةّ من القادة قادوا جندهم ، فإن التاريخ ظلم الكثيرين ولكن دائما اللوم لا يقع على التاريخ كمرحلة ، بل على من وثق الوقائع و كتب التاريخ ونسب الشرف لأشخاص بعينهم دون الإلتفات الى الماكينة البشرية التي فتحت بسيوف بطولاتها سجلات الشرف والتخليد لأسماء دون غيرها . اضافة اعلان

وكما هو حال الجند ، كذلك حال بعض الجيوش ، فمنها من كان صانعا للمجد ومقاتلا مدافعا حقيقيا على أرض المعركة ، ومنها من هو خاطف للإنجاز ومستول على الصيت ، حتى تحول برغبة راغب الى مادة التاريخ العسكري الذي طبخته ماكينة الإعلام مدعوما بسياسات دولة دون غيرها، ولعل الظلم الذي وقع على الجيش الأردني في تاريخه هو أحد الأمثلة ، حيث كان جنوده البواسل كالأوتاد الطانبة في أرض المعركة ، ثم يزوّر التاريخ لصالح جيوش أخرى سقطت في الإمتحان ، وسبب ذلك طمع سياسي ، وحسد قيادي لدى أطراف تبحث عن مجد مسروق ، واستثمار في تجارة بائرة .
ذلك لم يلغ عندنا الرواية الشعبية وزادنا تمسكا بالتاريخ الشفهي الصادق لإنجازات جيشنا وشهدائنا الأبرار وقادة عظام للجنود الضياغم الذين لم تحركهم سياسات ولا مكتسبات ومنهم من لا يزال على قيد المعاناة في زمن تبدلت الأسماء بغير الأسماء والشخصيات بغير الشخصيات وتقلبت القلوب من حب الحروب الى حب ما في الجيوب، لذلك كان مهما جدا إبراز قمة الجبل الشامخ الذي طال بقاءه تحت بحر النسيان ، وهو « يوم المحاربين القدامى « ليعرف أبناءنا أهلهم ويعتزون بالشرف الرفيع لجيشهم من الرعيل الأول ، ويعيدون قراءة تاريخ الجيش الذي يريد مُريد أن يلغيه من الوجود.
كامل عبدالرحمن البرغوثي ، كان إماما لمسجد قريتنا وصاحب الدكان في غرفة من الطين، هكذا عرفناه أول ما عرفنا الحياة ، ولكنه جاء متأخرا لقريتنا التي قدمت ثلاثة من أعمامنا شهداءً على ثرى فلسطين الخالدة وقائدين للكتائب ضمن الجيش الأردني منذ عام 1948 حتى معركة الكرامة ، معركة الدم الواحد ، ولكن البرغوثي كان جنديا في الجيش الأردني ، خدم كما خدم آلاف الجنود المجهولين من أبو ديس في القدس حتى قرية حلاوة في عجلون ومن صبحا وصبحية شرق المفرق حتى سريس في جنين فلسطين ، ومن سما الروسان حتى حسينية الحويطات ، وبين إحداثيات تلك القرى سم ما شئت من أسماء الجند البواسل .
كذلك قد لا يعرف الأردنيون ثلاثة أشقاء لا رابع لهم استشهدوا في معارك الجيش الأردني هم رداد خلف الهيلّم المحارب الزبن استشهد في معركة « النوتردام « بالقدس عام 1948 فيما اعتلى شقيقه عسّود قريبا منه في القدس ، أما شقيقهم الثالث عبيد ، فكان أول شهيد من الجيش الأردني في حرب الجولان السورية 1973 التي قادهم حينها خالد هجهوج المجالي ، ولنبقى في عائلة واحدة ، فمن ذا يمر على الديار اليوم ليسأل عن الشهيد العميد زعل رحيل الفلوح الذي افتتح جهاده قائدا للمدرعات في حرب 48 حتى استشهد قبل أن يشهد معارك الزحف نحو مجالس النواب أو مناورات المناصب الوزارية .
وهذا حال أبطالنا من كل العائلات والعشائر الأردنية من مختلف أصولهم ومساقط رؤوسهم على هذه الجغرافيا الطبيعية ، فهم الرعيل الذي حاربوا بجوعهم لنفوز اليوم بوجبة جاهزة وقاتلوا حفاة لنتبختر بالسيارات الفارهة ، واشتروا الآخرة بدمائهم وتركونا نتنافس على المناصب العليا ، لقد صدقوا مع الله ومع وطنهم و أنفسهم ، وتركونا نتكاذب ونتكالب على هذا الوطن ببطولات معارك الكلام والأفلام .
هذه المقالة ليست مجلدا لحفظ التاريخ ولكنها دعوة لكتابة التاريخ الحقيقي لأبطالنا الحقيقيين ، ولأن أنفق شبابنا مليوني دولار في يوم الفالنتاين والورد الأحمر ، فلنلغي المؤسسات المستقلة التي أرهقت ميزانيتنا ، ولنعط للمحاربين القدماء وأبنائهم حقهم في مؤسسة مستقلة واحدة تخلد ذكراهم وتدعم حاجاتهم حقا ولمن يستحقون لا لمن يطمحون ، وليكن يوم الجيش للمحاربين القدامى والدم الطاهر .


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة