الجمعة 2024-12-13 02:58 م
 

أدب الخصومة وثقافة الاختلاف

07:57 ص

فاجعة العرب ليس في احتلالهم اسفل السلم الكوني في العلم والاختراعات وتصدرهم العالم في شح المياه وامراض السكري وحوادث السير ولا فاجعتهم في ضخامة اموالهم المركونة في بنوك الغرب وعدم استثمارها في اي مجال حيوي يخدم العالم العربي والامة الواحدة الخالدة .اضافة اعلان

بل فاجعتهم في تخليهم عن علم الاجتماع السياسي وادب الاختلاف وثقافة الخصومة , لانها هي التي تفرز تبادل المواقع وانتقال السلطة بأمانة ويسر , وهي المنظومة التي تؤدي الى انتاج ارقى اشكال السلم الاهلي وتضمن اتاحة الفرص والمساواة والعدالة , والغاء كل اشكال التمييز .
يريد الرجل العربي زوجة حافظة لكتاب الله وهو لا يتقن قراءة سورة الفاتحة , ويريدها جميلة وهو لا يمتلك ادنى وسامة ويريدها مثقفة ولم يقرأ هو شهادة ميلاده , وهذا السلوك والفهم ينسحب على باقي مناحي الحياة العامة , فهو يريد نائبا بمواصفات عالية دون ان يشارك في العملية الانتخابية ويريد قانونا للانتخاب يحمله ومن يريد الى مجلس النواب على الاكتاف دون مراعاة الواقع الاجتماعي والسياسي ولا مراعاة مطالب الاخرين .
يريد ان يعشق ويجاهر في العشق ويؤيد المساكنة بين الجنسين , ثم يرتكب مذبحة باسم الشرف اذا تناهى الى مسامعه خبر عن احدى محارمه , مفتون بالغرب وتجربته الديمقراطية والاجتماعية ولا يريد تحمّل تكاليف هذه الديمقراطية والانفتاح الاجتماعي , يستعمل اخر ما توصلت اليه تقنية الغرب ولم يساهم في ادنى تفصيلة حتى الغطاء الخارجي , ويرفض سلبياتها ويلعنها ليل نهار قبل ان يبادر الى استعمال تلك التقنية لشهواته فثمة 40 مليون حركة يوميا للبحث عن مواقع الجنس في الوطن العربي .
هناك فُجر في الخصومة واستخدام كل ما تيسر من صفات وشتائم ضد الخصوم – على افتراض خصومتهم – بل السائد انهم اعداء وليسوا خصوما ومتنافسين , ولو اجرينا اختبارا واحدا عن صفات الخصوم لما وضع احدنا صفة ايجابية واحدة في خصمه , ولو قلبنا السؤال لما ترك صفة ايجابية عن نفسه او من يسانده .
فجأة يصبح صاحب رأي مثل مروان المعشر عميلا وفجأة يتحول الكباريتي عبد الكريم الى نائح ومُخرّب , وفجأة يصبح من يدافع عن المبادرة النيابية مأجور , وكذلك ناقدُها رجعّي ومتخلف , فكل ادوات خصومتنا قائمة على التخوين والتكفير وكل مفرداتنا مُستقاة من حقبة ما قبل الحداثة والدمقرطة التي نطالب بها .
فجأة يُصبح تصرف خالٍ من الذوق العام وفروسية الخصومة عملا بطوليا , ويصبح تجاوز المُعتَدى عليه رغم موقعه استسلاما , بل ونستسلم لمقاربة بمنتهى الخطورة بين رئيس وزراء نختلف معه او نتفق معه , ابن بلد وصاحب اجتهاد , فنقارن التطاول عليه بحادثة تعرّض لها اكبر رئيس امبريالي واستعماري في تاريخ الكون الحديث , فأي عوار في وعينا ومنطقنا السياسي ؟ ام ان الخصومة أعمتنا وأعمت بصيرتنا ؟
أدب الخصومة وثقافة الاختلاف , هي من تميّز بين المجتمعات وهي الحافظة لمسافة الامان المقطوعة في المجتمعات وبدونها سنبقى اسرى التهمة القادمة وسنبقى اسرى لكل صاحب صوت عالٍ ورأي منقوص وعقل معقوص, وسينجح الارهاب في اعادة عقارب الساعة الى الوراء وسيرحل كل صاحب رأي كي تخلو الساحة لانصاف العقول وارباعها , وسنخشى تأييد حكومة او نظام خشية الاتهام بالمحاباة او الرعب ناهيك عن التسحيج والتطبيل والمأجورية.
شخصيا معجب بأداء الكباريتي والروابدة والنسور كرؤساء وزراء ومعجب بأداء ممدوح العبادي في امانة عمان وبرئاسة سعد السرور لمجلس النواب ومعجب بأداء على ابو الراغب وطاهر المصري وكمال ناصر ومحمد الحلايقة , ومؤيد لسياسة التحرير التي يقودها محمد حسن التل ورئاسة تيسير الصمادي لمجلس ادارتها وجاهز لتلقي كل التهم المعلبة والطازجة , نسيت انني معجب بكتابات خيري منصور وعريب الرنتاوي وباتر وردم وهذا لا يعني عدم الاختلاف مع كثيرين ممن ذكرت في مواقع ومواقف سابقة .


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة