تتزامن موجات ارتفاع الأسعار الحالية، مع حالات استقطاب سياسية آخذة في النمو على الساحة المحلية؛ للأسف معظمها تديره نخب سياسية. إذ بدأ الكثير من تلك النخب حملات دعائية مبكرة، بانتظار تحولات سياسية قادمة سيكون جلها العام المقبل، ولن تتوقف عند إجراء انتخابات برلمانية وحكومة جديدة. والمؤلم أن الاستقطاب الذي بدأ يتحرك سريعا، يجد في الأوضاع الاقتصادية للقواعد الاجتماعية العريضة ساحة واسعة للعب السياسي؛ بين ركوب موجة أيديولوجيا الفقر والفقراء والبكاء باسم هؤلاء الفقراء من جهة، وبين تخوين الفقراء من جهة أخرى.
يحدث هذا بعد أربع سنوات تراجعت فيها المكاشفة حول أوضاع الفقر والتنمية، وسط الإغراق في الانشغال بالأزمات الإقليمية وأبعادها الأمنية، وتأثيراتها الكبيرة على البلاد، وتحديدا ملفات اللاجئين والتطرف والحرب على الإرهاب، ما وفر بيئة مواتية لإضفاء المزيد من التعتيم على تفاقم أوضاع الفقر، وتراجع نوعية الحياة إلى درجات مقلقة، وتحديدا في المحافظات، حيث لم نجد أي مؤسسة تتصدى لمهمة قياس آثار هذه الموجات من التحولات على أوضاع الفقر خصوصا في المحافظات؛ سوى الشكاوى المريرة والمخجلة التي تنقلها الإذاعات ووسائل إعلام أخرى يوميا، بانتظار الصدقات السياسية والاجتماعية.
علاوة على حجم التحولات الهيكلية التي خلقتها أزمة العمل والبطالة، تواصل موجات ارتفاع الأسعار المتتالية دورها في إعادة إنتاج الفقر بصيغ جديدة مختلفة عما كان مألوفا في السابق، ما يجعلنا أمام حاجة لإعادة تعريف الفقر من جديد، بعيدا عن محاولات التعريف السياسي الجارية.
فالفقر لدينا حلقة مفرغة صلبة، لأنه مرتبط بالعمل؛ أي بكفاءة النظام الاقتصادي على صعيد توفير العمل. لذا، نجد دورانا هائلا في العمل الاجتماعي يلف حول ذاته، من دون أن يتقدم خطوة واحدة؛ حديث طويل لا ينقطع ولا ينتهي حول الفقر والفقراء والتمكين وبناء القدرات والتأهيل، من دون نتائج ملموسة على الأرض؛ دوران هائل لا يصل الفقراء منه إلا المزيد من الدوار والغثيان.
ثمة مدرسة لدينا ترفض الاعتراف بعمليات تجريف الثروة المنظمة وإعادة تركيزها بشكل عمودي. ولدى هذه المدرسة الفقر مايزال في معدلاته الطبيعية، والطبقة الوسطى بخير. وإلى وقت قريب، كانت توصيات أنصار هذه المدرسة هي المسموعة، وشاهدها السلوك الاستهلاكي لفئات اجتماعية محدودة.
من المفترض أن الوعي الاجتماعي للدولة قادر أن يحسم بوضوح فكرة التحيز الإيجابي للطبقة الوسطى، وأن ينعكس ذلك في القوانين وفي السلوك اليومي للمؤسسات، وبالتحديد في هذه المرحلة التي تشهد تحولات واسعة، من المفترض أن تبقى هذه الطبقة فيها هي أساس حفظ التوازن في المجتمع، وأن تبقى تقود حركة التنوير والتغير الإيجابي، وتحافظ على القيم الكبرى. كما من المفترض أنها الأقدر على المشاركة السياسية، والأكفأ في إضفاء الشرعية على الدولة برمتها. ولكننا نجد تلك الطبقة تتقهقر، بل والأخطر من ذلك تتشوه خصائصها وأدوارها.
لم تبرز إلى هذا الوقت أي إنجازات أو آثار واضحة لصندوق تنمية المحافظات على الأرض، بعد مرور أكثر من أربع سنوات على تأسيسه. ولم نجد عملا جادا لتحول تدريجي نحو بناء قاعدة إنتاجية اجتماعية في المحافظات. بل إن منهج العمل الجاري يستعيد فكر الرعاية التنموية السلبي الذي حول الناس من فلاحين وزراع منتجين، إلى عاطلين ومعطلين يستجدون العطايا.
التعتيم على الفقر والفقراء وسط الزحمة السياسية، يزيد من تعقيد الموقف وتفاقمه، بل ويعمل حاليا على تحويل الفقراء إلى أجندة سياسية، أو تخوينهم إذا رفعوا الصوت بالشكوى!
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو