الجمعة 2024-12-13 03:24 م
 

إبتسامة المعقود

08:28 ص




لماذا يعجبنا أن نحتال على أنفسنا وأن نضحك على ذقوننا، ونداهن مشاعرنا ونجاملها، عندما نشخص أمام حدقات الكاميرات لأخذ صورة تذكارية أو (سلفي). فترانا نتأكد من هندامنا ونمط أفواهنا بابتسامة طويلة يانعة. وبعد أن تبرق الكاميرا، نعود إلى عبوسنا، وتعود إلى صفحة وجوهنا كشرتها.اضافة اعلان


أعتقد أننا نؤمن، بأن الماضي هو الأجمل؛ بحلوه ومره، الأجمل بعثراته وسقطاته وهفواته، ولهذا ترانا، لا نأخذ صورةً إلا موشحةً بالابتسامة المعلبة المغتصبة التي تجتاح الوجوه وتبدد الوجوم.

وعندما ينقشع حاضرنا، ويغدو خبراً لكان وأخواتها، سيعجبنا أن نطالع بعض صورنا، وسنتحسر على الأيام الخوالي فنقول لأولادنا: إننا كنا سعداء، بدليل هذه البسمة الشاسعة، التي تطرز الوجه. وكأننا لا نحب أيامنا إلا إذا ماتت وانقشعت وشيعناها، لنتحسر عليها، ونرثيها. دون أن نكون عشناها بحث وحقيق.

يتحدثون عن مصور خفيف الظل، ما فتئ يزجي نصيحة ذهبية لزبائنه من أصحاب الأفواه الواسعة، ويطلب أن ينطقوا بكلمة (معقوووود)، بمطِّ الواو ما استطاعوا إلى ذلك (تمطيطا)؛ فتنزم الشفتين وتنضما؛ ويصغر الفم، ويبدو مقبولاً؛ ليتناغم مع بهاء الصورة، وجمالية اللقطة الخاطفة!.

في المقابل تشاجر مصور مع رجل مسنٍّ، أشعث، أكله الدهر ولفظه، لأنه طلب منه أن (يكوِّس) الصورة، أي يجعلها جميلة. فما كان من المصور النزق، إلا أن قال: كيف أكوِّسُ من لم يكوِّسه الزمان؟!، عندها قال المسن بنبرة لا تخلو من مرارة: أطلب مني أن أبتسم يا جدوه.

قد يكون أننا نعتقد أن الصورة ما هي إلا زمن مجمد، محفوظ في ثلاجة الذاكرة، وسنعود ونستدعيه متى أردنا، ومتى هزنا جناح الحنين إلى ماضينا، نستدعيه مبتسماً، لينساب فينا نهر الذكريات الدفاقة، والتي دائماً في عرفنا أنها الأجمل والأبهى.


علمونا أن نضحك على حالنا، وعلى لحظاتنا، فنزوّر الوقت بابتسامة كاذبة، تكون مقدمة لكذبة أكبر في مستقبلنا، فهم كانوا وما زالوا، يطلبون منا أن نقول: (cheeeeeese)، عند التقاط الصورة كي نظهر مبتسمين، وكي نحظى بصورة بهيجة، فهذه الكلمة توسع زوايا الفم، لتولد الابتسامة المعلبة، وكأنها عملية قيصرية، إبتسامة سرعان ما تزول بعد وميض الكاميرا.


بمناسبة اليوم العالمي للإبتسامة. دعونا نضحك على أنفسنا بطريقة أقوى وأعمق واثبت؟!، فنوهمها بأننا في حالة تصوير دائمة، وأن الكاميرا تصوّب (زومها) نحونا، فنبتسم بطريقة الجبنة، أو بغيرها، فربما تظل الابتسامة عالقة بوجوهنا، فقد نعتاد عليها، وتصبح هندامنا الأجمل!.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة