الأربعاء 2025-03-05 09:58 ص
 

إعجاز القرآن في إسلوبه … الدليل على أنه من عند الله

 
04:52 م

الوكيل - عند البحث العقلي في القرآن نجد أن القرآن كلام عربي وبالتالي فإن كاتبه لا يعدو أن يكون أحد ثلاثة:- العرب ، أو محمد أو الله .اضافة اعلان

‌أ) من العرب:-
أما كون القرآن من العرب فباطل ولا يقبل به العقل، وذلك أن القرآن تحدى العرب في عبارات قارعة محرجة ملؤها الاستفزاز ، أن يأتوا بمثل القرآن ، فقال تعالى ? قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ? ، فلما عجزوا عن ذلك ولجأوا إلى أسلوب المفلسين ، فاتهموا الرسول بافتراء القرآن ، سخر الله منهم وتحداهم – لا أن يفتروا مثل القرآن كاملاً – بل أن يفتروا عشر سور كما فعل محمد – وحاشاه ذلك – كما يزعمون ، قال تعالى ? أم يقولون افتراه * قل فأتوا بعشر سور من مثله مفتريات * وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين ? ولما عجزوا من جديد – وهم أهل اللغة وأرباب البيان وعشاق الشعر والنثر والأدب – تحداهم القرآن أن يأتوا بسورة واحدة من مثل القرآن ، قال تعالى ? وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ?، وقال تعالى ? أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله * وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين ?.
من هنا يتضح استحالة أن يكون العرب هم الذين جاؤوا بالقرآن ، فلو كان ذلك بإمكانهم – مع توفر دواعي الاستجابة فهم أهل البيان والفصاحة، والتحدي جاءهم في أعز ما يملكون وأقوى ما يقدرون – لما ترددوا مطلقاً في ذلك ، ولو كان من بعضهم لاستطاع البعض الآخر أن يأتي بما أتى به القسم الأول فكلهم عرب ، مع أن الثابت بالتواتر هو عدم إتيان أي منهم بما يشبه القرآن مطلقاً.
ولا يقال إنه من المحتمل ، أن يكون العرب قد جاؤوا بما يشبه القرآن ولكن المسلمين لتعصبهم لدينهم ولأنهم صاروا أصحاب القوة والمنعة بعد أن أعزهم الإسلام بالدولة الإسلامية ، مزقوا أو أتلفوا ما جاء به العرب مما يشبه القرآن ، لا يقال ذلك لما يلي:-
1) إن هذا احتمال ، والبحث العقلي الصحيح لا ينصب على الاحتمالات أو الافتراضات، بل ينصب على وقائع محسوسة.
2) لقد حصلت فعلاً بعض المحاولات ، وقد وصلنا جزء منها ، مثل محاولة مسيلمة الكذاب، حيث قال معارضاً سورة العاديات( والطاحنات طحنا والعاجنات عجنـا ، والثاردات ثردا، واللاقمات سمنا ) وقال معارضاً سورة الفيل ( الفيل وما أدراك ما الفيل ، له ذنب وبيل ، وخرطوم طويل ) وقال معارضاً سورة الكوثر ( إنا اعطيناك الجماهر، فصل لربك وجاهر، إن شانئك هو الكافر) فإذا كانت هذه المحاولات على سخفها وتفاهتها ، قد وصلتنا ، فإن وصول غيرها – لو كان موجوداً- كان لا بد أن يصل من باب أولى، وهذه ليست المحاولات الوحيدة التي سمعنا عنها بل نقلت إلينا روايات عن محاولات أخرى أجهضها أصحابها قبل الإعلان عنها ، بعد أن استحوا من إعلانها، ومنهم على سبيل المثال ابن المقفع وأبو العلاء المعري والمتنبي، وهذا يدلل بوضوح على أنه لم يكتب شيء يستحق الذكر، ولو حصل لوصلنا، ومن هذا يتضح أن العرب لم يأتوا بشيء يشبه القرآن ، وبالتالي فهو ليس من العرب.
‌ب) كون القرآن من محمد:- هذا القول باطل أيضاً وذلك لما يلي:-
1) إن القرآن كلام عربي جاء بأسلوب جديد لم يسبق للعرب أن عرفوه أو سمعوا بمثله، أي أن إحساسهم لم يقع على واقعه من قبل، وعدم الإحساس يمنع حصول التفكير والإبداع في الواقع الذي يحس ، وهو أسلوب القرآن، ومن هنا عجز العرب كلهم عن الإتيان بمثل القرآن ، ولما كان محمد – صلى الله عليه وسلم – واحداً من العرب أي لم يسبق لحسه أن وقع على مثل القرآن، لذا ينطبق عليه ما انطبق على العرب ويستحيل عليه الإتيان بالقرآن.
2) إن القرآن كلام عربي ظل محمد – صلى الله عليه وسلم – يتلوه منجماً لمدة تزيد على العشرين عاماً ، فلو كان القرآن من تأليف محمد – صلى الله عليه وسلم – لوجب أن ينطبق على محمد المؤلف أو الكاتب ، وعلى القرآن الكتاب، ما ينطبق على كل مؤلف وكتاب لأن محمد – صلى الله عليه وسلم – بشر ، وذلك يظهر فيما يلي:-
‌أ- إن أي كاتب يبدأ رحلة التأليف ضعيفاً في أسلوبه ولغته ومعانيه ، فهل كانت بداية القرآن أول نزوله أضعف من نهايته ؟؟ إن صاحب الحق في الإجابة هو الخبير، ولن نستشهد هنا بخبير مسلم كي لا نتهم بالتحيز بل سنستشهد بخبير كافر اشتهر بالبلاغة والإطلاع وكان أعلم قريش باللغة والشعر والرجز … إلخ ، ذلك هو الوليد بن المغيرة الذي قال عن القرآن وهو في بداية نزوله – بعد أن سمعه من محمد- صلى الله عليه وسلم – … ووالله إن لقوله لحلاوة وإن عليه لطلاوة ، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق ، وأنه ليعلوا ولا يعلى عليه ” رواه البيهقي في دلائل النبوة . ‌
ب- إن أي كاتب ، مهما كان مبدعاً ، يبدع في جانب من الجوانب أكثر الجوانب الأخرى أي يرتقي إلى القمة في بعض المجالات ، ويكون أقل من ذلك في مجالات أخرى، فهل كان القرآن ضعيفاً في أي جانب من الجوانب؟؟. ‌
ج- إن من البديهيات المعروفة للجميع ، أن أسلوب الإنسان في كتابته يحمل علامات معينة تجعله مميزاً لصاحبه، تماماً كبصمة الإنسان ، فمثلاً لو أعطي إنسان مطلع إطلاعاً جيداً على كتابات مؤلف ما كتاباً لم يسبق لآخر غير مؤلفه أن اطلع عليه ، وطلب من القارئ المذكور ، أن يعرف مؤلف الكتاب دون وجود اسم المؤلف أو أي إشارة – سوى الأسلوب – تدلل على شخصية المؤلف ، فإن القارئ المطالع سيعرف حتماً اسم المؤلف ، لأن أسلوب المؤلف جزء منه ، ولا يخفى مهما حاول أن يغير في أسلوبه ، لأن من المستحيل على الكاتب أن يكتب بأسلوبين متناقضين أو مختلفين تماماً ، فهل هذه الخاصية تنطبق على علاقة الرسول محمد- صلى الله عليه وسلم – وأسلوبه بالقرآن وأسلوبه؟؟ إن محمداً- صلى الله عليه وسلم – بشر وينطبق عليه في موضوع الأسلوب ما ينطبق على أي إنسان، أي يستحيل عليه أن يكتب بأسلوبين متناقضين، والثابت بالدليل القطعي أن محمداً – صلى الله عليه وسلم – كان يقول الآية ويقول الحديث في وقت واحد مع أنهما متباينان من حيث الأسلوب، فهو بالتالي قد فعل شيئاً يعجز عن فعله البشر، وبالتالي فهي معجزة وهو نبي، أو أن القرآن من مصدر غير محمد، وهذا سبب اختلاف الأسلوبين، فلو قارنا مثلاً بين أسلوب الحديث المتواتر ( من كذب عليّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ) ، وبين أسلوب القرآن الكريم :
? ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً * أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء * ومن قال سأنزل مثل ما أنزل الله * ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم * أخرجو أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون ?.
لو قارنا بين هذان النصين الذين قالهما- صلى الله عليه وسلم – لوجدنا اختلافاً بيّـنا ، يدل على أنهما من مصدرين مختلفين، وهذا كله يؤكد بمالا يقبل الشك أن القرآن كلام الله تعالى ويثبت أن محمداً رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .
من كتابي الطريق


 
 
gnews

أحدث الأخبار



 
 



 

الأكثر مشاهدة