المشكلة في الصراعات المحلية الدائرة بين الإسلاميين والعلمانيين، وكذلك بين المحافظين والليبراليين، انها تجري في غياب اطار عام ينظم النقاش، اي دون الاتفاق على قواعد اللعبة. وفي غياب ذلك، تصبح هذه الصراعات قائمة على شيطنة الآخر وافتراض الأسوأ، لأن نقاشا علميا هادئا لم يجر بين هذه المكونات لإزالة الغموض ومحاولة فهم المواقف المتباينة والابتعاد عن المواقف المسبقة او المعلبة.
وفي ظل غياب ثقافة حوار متأصلة في المجتمع الاردني، نابعة عن عدم القدرة على الاعتراف بالاخر، لم تجلس مكونات المجتمع مع بعضها بعضا خارج إطار مجلس الأمة إلا نادرا. وغني عن القول أن غالبية الاردنيين لا ينظرون الى مجلس الأمة باعتباره ممثلا حقيقيا لاتجاهات المجتمع، وايضا لأن المطلوب نقاشات فكرية تتناول التوجهات المختلفة للناس قد لا يكون مجلس الأمة بتركيبة القانون الحالي قادرًا على القيام بها بكفاءة.
كل ذلك يعني اننا بحاجة اليوم لإطار جديد، او بالأحرى عقد اجتماعي جديد، يحكم العلاقة ليس بين الدولة والمواطن فقط، ولكن، وهو الأهم، العلاقة بين مكونات المجتمع المختلفة، دينية او علمانية، محافظة او ليبرالية. كتابة العقود الاجتماعية عملية معقدة، لانها لا تعتمد فقط على النتيجة، وإنما على العملية التفاوضية المجتمعية التي تؤدي لهذه العقود. هذا ما تم في تونس، وهذا ما يجعل تونس تحمل أملا مع وجود العديد من التحديات الاقتصادية والأمنية التي لم تستطع حلها حتى الآن، لأن التنازلات المتقابلة لم تأت من فوق، كما في الدستور العراقي مثلا الذي كتب من الخارج ثم سمح لمكونات المجتمع ببعض المداخلات. في تونس، قامت بالتنازلات المتقابلة هذه المكونات نفسها. ولم تتم هذه العملية الا بعد شق الانفس، وثلاث سنوات من المناقشات حامية الوطيس الى ان اقتنعت كافة القوى ان احدها لن يلغي الآخر، ما أمكنها من الوصول لإطار يسمح بالاختلاف دون ربطه بالشيطنة، ويعطي كل مكون حرية العيش حسب معتقده وقيمه دون ان يسمح بفرض نظم حياته على باقي مكونات المجتمع.
الاختلاف ضمن اطر وضوابط، والاتفاق على قواعد اللعبة هو ما نحتاجه. ليس المهم ان يثق احدنا بالآخر قبل الجلوس معه، ولكن ان أردنا وضع نقاشاتنا على طريق تؤدي الى تقدم البلد، وليس الى الصراخ والشتيمة والتخندق، فلا مفر من مثل هكذا حوار وطني يضع الاطر اللازمة لتعددية سياسية وثقافية ودينية ومجتمعية، أطر تسمح بالاختلاف بعيدا عن التخوين.
من هنا، نحن بحاجة للذهاب ابعد مما توصلت اليه التعديلات الدستورية العام 2011 لان مكونات المجتمع المختلفة بحاجة للجلوس مع بعضها بعضا للحديث عن المخاوف وفهمها والاتفاق على ضمانات دستورية تعرف الحقوق وتضع الضوابط ولا تسمح لفئة بالتغول على اخرى.
لقد احسنت الحكومة صنعا حين بدأت بالحوار مع مجلس الأمة، والمؤمل ان يكون حوارا حقيقيا وليس من باب إبراء الذمة، وأحسنت حين رفعت شعار الاعتماد على الذات، وهوشعار، ان كان جادا، يعني تحولا حقيقيا في سياساتنا السياسية والاقتصادية، ويتوجب عليه مصارحات وحوارات معمقة وحدها الكفيلة بوضع سياسات التحول من النظام الريعي للنظام الانتاجي موضع التنفيذ.
لم يمنع وجود دستور من بلورة ميثاق وطني تم الاتفاق عليه بين مكونات المجتمع العام 1991، وكان من المؤمل ترجمته من خلال تعديلات دستورية. نحن بحاجة لحوار وطني يؤدي لتجديد هذا الميثاق الوطني وترجمته دستوريا، حوار ينبع من مكونات المجتمع نفسه، لأنه اصبح واضحا ان أحدا لن يتمكن من إلغاء أحد.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو