الأحد 2024-12-15 08:47 م
 

استهداف الجيوش العربية

03:20 ص

في دراسة لمركز بيغن – السادات في اسرائيل، يُعبّر خبراء الانتلجنسيا الإسرائيلية عن رضا عميق لما يصفوه بتدمير القوة السورية من دون اطلاق رصاصة واحدة من مخزون الجيش الاسرائيلي، بل ويضيفون أنه لن يعود من المهم بعد فترة مَن يأتي الى الحكم في سورية، لأن الخطر الذي تمثله هذه الدولة على اسرائيل يكون قد انتفى. الخطر المقصود،هو الخطر العسكري الذي يمثله الجيش، من دون شك، ولكن ثمة خطر أكبر هو الخطر الاقتصادي في دولة كانت الوحيدة في العالم العربي التي ما زالت تعتمد اقتصاد الانتاج لا اقتصاد الاستهلاك، حتى ولو زحفت بعض السلوكيات الليبرالية الى الساحة في السنوات الأخيرة ، لكنها ظلت في اطار الليبرالية الوطنية وعدم الارتهان للخارج، ولذا كانت الدولة تتمتع باكتفاء ذاتي، والأهم أنها خارج اطار نير الديون الخارجية. كل هذا هو ما يعطي الجيش قوته وخياره الاستراتيجي الذي يتضمن، من ضمن ما يتضمن، اختيار مصدر التسلح. وذلك بدليل وضعية الجيش المصري الذي ما يزال قويا بعداده وعتاده، لكنه تابع مئة بالمئة للقرار الأمريكي لأنه لا يملك رصاصة واحدة خارج المصدر الأمريكي ولم يعد بين ضباطه من لم يتم تدريبه أمريكيا، بعد أن كاد ينتهي جيل الضباط الأحرار ومن انشأوه. فمنذ ما بعد حرب اكتوبر أصبحت الجيوش العربية هي الهدف الأساسي للإستراتيجية الأمريكية – الصهيونية. استهداف كان يتوزع على خطين : إما تغيير العقيدة وربط القرار السياسي الحاكم للجيش بالقرار الصهيو- أمريكي، وإما تقليص الجيش عددا وعدة. تحقق الخط الأول في مصر بفعل معاهدة كامب ديفيد وسياسات السادات المرتبطة بها منطقيا، واضطر الغرب الى تأجيل الخط الثاني بسبب الحرب العراقية – الايرانية التي كانت تصب كلها في خدمته وخدمة اسرائيل، ولذلك فما أن انتهت تلك الحرب حتى طلب الغرب من صدام حسين خفض عدد الجيش العراقي الى خمسين ألفا ووقف التصنيع العسكري وتغيير نوعية التسلح –. ولنذكر آخر مؤتمر قمة في بغداد عام 1989 وتمحوره حول هذه القضية –، وعندما رفض العراق هذا المطلب في واقع رفض السلام مع اسرائيل، تذكر الغرب أن صدام حسين ديكتاتور وأن المعارضة العراقية تستحق الدعم، وأصبح أولئك الذين كانت فرنسا تسلمهم قسرا لبغداد حلفاء الطائرات الفرنسية التي تقصف العراق عام 1991. دفع العراق الثمن وكان أول قرار احتلالي هو حل الجيش. جاء دور سورية ليكون أول ما طلبه الأمريكيون من فاروق الشرع، ممثل النظام في المحادثات مع وزير الخارجية الأمريكي، طلب يحمل ضمنا الاختيار بين نموذجين: العراقي أو المصري. فاما أن تركب سورية قطار السلام وبالتالي تسليم الجيش وتحييده وعندها يمنح الأسد جائزة نوبل للسلام وتحتل زوجته وسائل الاعلام الغربية كنموذج للحداثة والحضارة، وإما أن تخوض سورية المعركة التي خاضها العراق، ويتذكر الغرب أن نظام الأسد هو نظام غير ديمقراطي وقمعي وأن لديهم مخزون من المعارضات السورية التي يمكن استغلال توقيتها المشروع ومعاناتها الحقيقية أحيانا واستعدادها للعمالة أحيانا أخرى. وكما حصل مع صدام حسين اعتقد الأسد وحكومته أن بامكانهم نسج علاقات مع الغرب تقيهم الخيارين وتسمح لهم من اللعب على التوازنات الدولية والاقليمية وعلى حاجات الغرب في المنطقة ( خاصة اوروبا ) للنفاذ من المأزق. وهنا كان السقوط في خطأ التقدير مرتين: الأولى في اهمال العنصر الاسرائيلي ونفوذ اللوبيات اليهودية في العالم – ولنذكر الحملة الاعلامية التي شنتها وسائل الاعلام الفرنسية على زيارة الأسد الأولى لباريس مشبهة تلك الزيارة بزيارة وزير خارجية هتلر قبل الحرب العالمية الثانية- والثانية في اهمال المعادلة الضرورية التي كمن في كون القوة الداخلية هي أساس القوة الخارجية، قوة لا تتحقق الا في مناخ الحريات وكرامة المواطن والتنمية البشرية، لأن الحكم والجيش بحاجة الى حماية المواطنين كما أن هؤلاء بحاجة الى حماية الجيش والحكم وهل يمكن أن يحمي المواطن حكما لا يحقق لهم حرياتهم وكرامتهم؟ صحيح أنه لا يمكن لاي شعب في العالم ان يجمع حول حكم معين فهناك دائما موالاة ومعارضة ، معارضة قد تكون شرسة في تصديها للحكم ومحاولة اسقاطه. هكذا هي الحال في كل الدول الديمقراطية ولكن لا تمييز بين الموالاة والمعارضة في الحقوق والحريات. لا اجماع في فرنسا حول هولاند ولا في امريكا حول اوباما، ولكن هناك اجماع حول فرنسا وحول امريكا وحول الجيش والدولة. لأن هناك وعيا بمفهوم الدولة ودور الجيش وواجب التصدي للمؤامرة عليهما.

اضافة اعلان

 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة