الأحد 2024-12-15 06:18 م
 

"التخيل التاريخي" لعبدالله إبراهيم يدفع إلى تخطي مشكلة الأنواع الأدبية

07:13 م

أكّد الناقد والباحث العراقي د.عبدالله إبراهيم في مقدمة كتابه الصادر عن المؤسسة العربية للنشر، بعنوان 'التخيل التاريخي السرد، والإمبراطورية، والتجربة الاستعمارية'، على ضرورة أنْ يحلّ مصطلح 'التخيل التاريخي' محلّ مصطلح 'الرواية التاريخيّة'، مبيّناً أنّ ذلك الإحلال سوف يدفع بالكتابة السرديّة التاريخيّة إلى تخطّي مشكلة الأنواع الأدبيّة، وحدودها، ووظائفها.اضافة اعلان

ورأى أنّ ذلك الإحلال يفكّك ثنائيّة الرواية والتاريخ، ويعيد دمجهما في هويّة سردية جديدة، فلا يرهن نفسه لأيّ منهما، كما أنه سوف يحيد أمر البحث في مقدار خضوع التخيلات السردية لمبدأ مطابقة المرجعيات التاريخية.
وتابع المؤلف أنّ استيحاء التأملات والمصائر والتوترات والانهيارات القيمية والتطلعات الكبرى، تجعل منها أطرًا ناظمة لأحداثها ودلالاتها، فكلّ تلك المسارات الكبرى التي يقترحها 'التخيّل التاريخيّ'، تنقل الكتابة السرديّة من موقع جرى تقييد حدوده النوعية، إلى تخوم رحبة للكتابة المفتوحة على الماضي والحاضر.
وقال إبراهيم إنّ 'التخيّل التاريخي' هو المادّة التاريخيّة المتشكّلة بواسطة السرد، وقد انقطعت عن وظيفتها التوثيقيّة والوصفيّة، وأصبحت تؤدّي وظيفة جماليّة ورمزيّة، رائيا أنّ التخيّل التاريخيّ لا يحيل على حقائق الماضي، ولا يقرّرها، ولا يروج لها، إنما يستوحيها بوصفها ركائز مفسّرة لأحداثه، وهو من نتاج العلاقة المتفاعلة بين السرد المُعزّز بالخيال، والتاريخ المُدعّم بالوقائع.
ولفت المؤلف إلى أنّ وجود الماضي في قلب الحاضر يكون مهمًّا بمقدار تحوّله إلى عِبرة للتأمّل، وتجربة داعمة للمعرفة، مبينا أنّ 'التخيّل التاريخيّ' يتنزّل في منطقة التخوم الفاصلة/ الواصلة بين التاريخيّ والخياليّ، فينشأ في منطقة حرّة ذابت مكوّناتها بعضها في بعض، وكوّنت تشكيلاً جديدًا متنوّع العناصر.
وأوضح أنّ النظر إلى التخيّلات التاريخيّة على أنّها منشطرة بين صيغتين كبريين من صيغ التعبير: الموضوعيّة والذاتيّة، فهي نصوص أعيد حبك موادّها التاريخيّة، فامتثلت لشروط الخطاب الأدبيّ، وانفصلت عن سياقاتها الحقيقيّة، ثمّ اندرجت في سياقات مجازيّة، فابتكار حبكة للمادّة التاريخيّة هو الذي يحيلها إلى مادّة سرديّة. وما الحبكة إلاّ استنباط مركّز ناظم للأحداث المتناثرة في إطار سرديّ محدّد المعالم.
ورأى أنّ السرد يقتبس من التاريخ بقدر ما يقتبس من القصص الخياليّة، جاعلاً من تاريخ الحياة قصّة خياليّة، أو قصّة تاريخيّة، شابكًا أسلوب العمل التاريخيّ الحقيقيّ للسير بالأسلوب الروائيّ للسير الذاتيّة الخياليّة'.
ويبن أنه بانتقال السرد من مستوى الفرد إلى مستوى الجماعة، وهو ما يشكّل الاتّجاه العامّ للتخيّل التاريخيّ، حتى تكون للهُويّة السرديّة الجماعيّة قيمتها الأساسيّة، مؤكدا أن كلّ أمّة أو جماعة، هي تسرد تاريخها، ولا تستطيع أن تتخلّص من نسيج الحكايات حول ماضيها ومزج الخيال بالواقع.
ورأى إبراهيم أن ثمّة علاقة جدليّة بين تاريخ الأمّة والحكايات المتخيّلة الداعمة لها، وعن ذلك تنتج الهُويّة السرديّة الجماعيّة، لافتا إلى أنه ظهر على مستوى وصف ماهيةّ الأنواع الأدبيّة، تناقض واضح بين التوثيق التاريخيّ والسرد الخياليّ، وكلّما جرى الحديث عن 'الرواية التاريخيّة'، وقع التفريق بين التاريخ والرواية.
وبين أنه نتج عن هذا أمران: أوّلهما أجناسيّ يتّصل بـ'العلاقة بين الوظيفتين المرجعيّة والتخييليّة في الخطابين التاريخيّ والأدبيّ. فالمؤرّخ وإن خيّل يظلّ متحرّكا في مجال المرجع، أمّا الروائيّ، فإنّه وإن رجع إلى الواقع ماضيًا أو حاضرًا، يظلّ خطابه مندرجًا في حقل التخييل. فالتاريخ يقدّم نفسه على أنّه انعكاس وصياغة لفظيّة لأحداث واقعة، أمّا الرواية فتقدّم على أنها إبداع وإنشاء لعالم محتمل'.
والثاني يختصّ بنظريّة الأدب، 'ومدارها على علاقة التناقض بين الخطابين التاريخيّ والروائيّ، فليس من شكّ في أن الرواية التاريخيّة تنطلق من الخطاب التاريخيّ، ولكنّها لا تنتسخه بل تُجري عليه ضروبًا من التحويل حتى تخرج منه خطابًا جديدًا له مواصفات خاصّة، ورسالة تختلف اختلافًا جذريًّا عن الرسالة التي جاء التاريخ مضطلعًا بها'. وعلى هذا يندرج التاريخ في 'منظومة الأجناس ذات الغاية النفعيّة'، وتندرج الرواية في 'منظومة الأجناس ذات الغاية الجماليّة'.
واستعرض إبراهيم مواقف بعض الباحثين عن وجوه العلاقة بين التاريخ والسرد من حيث توظيف المادّة التاريخيّة وأشكالها ووظيفتها، وهي تنخرط في سياق السرد الروائيّ، وتشتبك بإطار فنّيّ تخيّليّ.
وقال المؤلف إن لم يبق بالإمكان قبول التصوّرات لوظيفة 'الرواية التاريخيّة'، فقد استنفدت طاقتها الوصفيّة بعد أن جرى تحويل جذريّ في طبيعة تلك الكتابة السرديّة التاريخيّة، التي استحدثت لها وظائف جديدة لم تكن معروفة آنذاك، فتراجعت القيمة النقديّة للتصوّرات التي عاصرت ظهورها في الأدب العربيّ الحديث، وأصبحت غير قادرة على الوفاء بتحليل موضوعها.
 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة