مصطلح السياسة من الجذر الثلاثي (ساس) ومضارعهُ يسوس، بمعنى حسن الإدارة، ولذلك ذهب بعضهم إلى تعريف السياسة بأنها عبارة عن «فن إدارة التجمع البشري»، ويطلق العرب على مربي الخيول ومدربها ومروضها مصطلح (سائس)، ولذلك أصبح هذا المصطلح يحوي جملة من المضامين، وله ظلال كثيرة كلها تدور حول استخدام العقل والذكاء والدهاء، والمعرفة والخبرة في تحقيق الأهداف المرجوّة، بأسهل الطرق وأنعمها وأسلسها، بعيداً عن العنف وأساليب القوة المادية، وبعيداً عن الإنفعال والتوتر، وبعيداً عن الغضب الذي يذهب الحكمة ويضيع العقل ويخل بتوازن التفكير، ومن خلال السياسة يتم تدوير الحواف الحادة، وإطفاء الغضب ونزع فتيل التوتر والإنفجار، وإشاعة جو مريح يسوده التفاهم والتوافق..
ما نشهده اليوم على صعيد الممارسة السياسية بعيد كل البعد عن معنى السياسة وجوهرها وحقيقتها، سواء على صعيد الأنظمة وإدارة الدول، أو على صعيد الشعوب والقوى السياسية المعارضة وغير المعارضة، فالأفعال والتصرفات، والأقوال والخطب، والجدال والحوارات، كلها تنضح بالغضب والإنفعال، وكلها تقدح بالشرر، ومليئة بالتهديد والوعيد، والذم والتشهير، وكيل الإتهامات، والعمالة والخيانة.
فالسياسي المعارض يبحث عن النجوميّة والأضواء من خلال رفع سقف الاتهامات، والتطرف في الأوصاف، والقسوة في النعوت، والخشونة في القول، ومن لا يسلك هذا المسلك يتهم بالمهادنة والممالاة، والتنازل وخرق المبادئ، ولذلك من أراد أن يتحدث بالسياسة ينبغي أن يكون منتفخ الأوداج، محمرَّ العينين ويرفع يديه إلى أعلى في كل الاتجاهات، عبر حركات سريعة تنطق بالحدّة والعصبية، كناية عن القوة والشجاعة والصرامة والشدة، وأنه لا تأخذه في الله لومة لائم، من أجل تحصيل الجماهيرية والشعبية.
والمشكلة الأكبر ان هذه العدوى انتقلت إلى الزعماء والحكام ورؤساء الدول والحكومات، فنجده عندما يتحدث؛ لا يعرف إلّا لغة التهديد والوعيد، والانتقام، ويصف كل مخالفيه بالانقلابيين والظلاميين، وتتم ترجمة ذلك إلى سياسات وقرارات، وحواجز ومطاردات، وإخراج للجيش وقوات الأمن وإظهار كل معاني القوّة الماديّة، وسجون ومعتقلات، ورقابة وتنصت ومتابعات، وتفتيش ومضايقات، وقتل وسحل وبراميل متفجرة....
في هذه الأيام يتم الاستغناء الكامل عن السياسة ومشتقاتها، وتشهد قطيعة تامة مع إعمال العقل وماكينة الذكاء والدهاء، ونشهد ابتعاداّ ملحوظاً عن استخدام أساليب العلاقات والحوار والاتصال المباشر، وأصبح ذلك يعد ضعفاً في الشخصية وضعفاً في إدارة البلاد، وينقص من هيبة الدولة وهيبة الزعيم، ويشكل تنازلاً سيغري الخصوم ويقوِّي عيونهم، ويجعل لهم قيمة في عيون الناس، ولذلك لا بد من قطع رأس القط منذ الليلة الأولى .. ويقابل ذلك غضب مضاد، وشتائم واتهامات، وردات فعل مشابهة وهكذا نشعر أننا ندور في حلقة مفرغة منذ عشرات السنوات.
يا ترى إلى أين تتجه الأمور، وإلى أين تتجه الدول وإداراتها وشعوبها في العالم العربي، وما هو مصير البلاد والعباد، في ظل هذا الغضب، وفي ظل هذا التوتر والانفعال السائد على كل الأصعدة وفي كل المجالات، وعلى كافة المستويات، وأين العقلاء، وأين أصحاب الرأي وأهل السياسة، وأين هم من قول معاوية «لو أن بيني وبين الناس شعرة، ما انقطعت»، وأعتقد أن قليلاً من السياسة وقليلاً من بذل الجهد في الاستيعاب والحلم وشيء من التقدير والاحترام يؤدي إلى تحقيق ثمار جيدة، إذا تم التخلي عن العنجهيّة من كل الأطراف وعلى جميع المستويات.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو