الخميس 2024-12-12 12:34 م
 

الفيلم التونسي ليلة القمرة العمية .. المرأة في مواجهة القمع والجهل

11:25 ص

الوكيل - تعود المخرجة التونسية 'خديجة المكشر' بفيلمها الروائي القصير'ليلة القمرة العمية' الى بيئة لها خصوصيتها الاجتماعية، وثقافتها المحكومة بحسابات العادات والتقاليد، وبظرة متخلفة للمرأة مازالت ترى فيها مخلوقا تابعا، مخنوقا ومقموعا، خاضعا وضحية للمجتمع الذي يحمي فكره المتخلف بمفاهيم الذكورة.اضافة اعلان

الفيلم حكاية ثلاث بنات في بداية التفتح على الحياة، ويشكل الزواج هاجسا يجثم على صدورهن، ذلك ان اي تاخير في الزواج، يضعهن في خانة العنوسة والبوار، وهو عار تسعى هؤلاء الفنيات للهروب منه، فالبيت على مستوى الاسرة لا يختلف عن المجتمع في دائرته الاوسع، وبالتالي فان كل واحدة منهن بلا غطاء او حماية، وفي ظل مجتمع معزول ومتخلف، كان اللجوء الى الغيبيات والاسطورة، هو المعادل لهذا الواقع البائس، وان الخرافة هي التي يمكن ان تفتح باب الامل، للنجاة من 'عار' العنوسة.
البطلة الرئيسية 'عايشة' ' رشا معاوية' التي توفيت امها، ووالدها ناقم عليها لاعتقاده انها سبب موت والدتها لحظة الولادة، وتسكن معها في البيت شقيقتا والدها، وتعيش معاناة القهر والظلم، في حياة لا انسانية بسبب الشقيقتين، فكما ان الخائف يخاف من خائف آخر، فان هاتين الشقيقتين، تمارسان الظلم على عائشة اكثر من الرجل'الاب'، ذلك ان متوالية الجهل والظلم من الطبيعي ان تنتج هذه المنظومة.
عائشة، وصديقتاها 'تبر' اية فرجاني، التي لم تستطع اكمال تعليمها لانها انثى، و'بوكا' اريج السباعي، المقموعة من امها‘ يحلمن باكثر مما تسمح به الظروف، ويجدن في السماء والنجوم، والليل، فضاء للتعبير عن الهواجس والاحلام، وبما ان البيئة المسكونة بالجهل والخرافة تنتج رموزها، لذلك يتداول اهل المنطقة خرافة فرعونية قديمة، لها علاقة بالقمر عند اكتماله، والطريق الى الخلاص تمر عبر العرافة 'ليلى' فاطمة بنت سعيدان، التي تقوم بتحضير الطقوس وادواتها، وتقضي الفتيات ليلة فيها الحلم والامل، لكن عند العودة يكون عقاب عائشة العمى بعد وضع الفلفل الحارق في عينيها، تحسبا من انها اقترفت خطيئة ليلة كانت فيها مع القمر.
وتنهي المخرجة فيلمها بلمسة امل، عندما تخرج عائشة من البيت 'السجن' الذي يحبس جسدها واحلامها، وتمسك بيدها بعضا من نور القمر، وتسير في طريق جديد على هدي ضؤ القمر.
المخرجة خديجة المكشر، تلتقط حكاية لها جذور واقعية، واعادت الى الواجهة صورة المرأة التي مازالت واقعة تحت مفاهيم ذكورية متخلفة، خلقت اطارا لمنظومة قيمية اجتماعية تزدري المرأة وتهمشها وتلغي دورها. وذلك بلغة سينمائية شفافة وحساسة، وامساك بكافة العناصر من بيئة وشخصيات واداء وموسيقى، وبالطبع الصورة التي تعلن عن مخرجة متميزة، تملك الحساسية والشفافية برصد مكونات البيئة وشخصياتها، والتحولات في مصائر هذه الشخصيات، وبمقدار ما كانت المخرجة حريصة على اظهار تفاصيل البيئة كونها حاضنة للافكار والشخصيات من جلادين وضحايا، بمقدار كانت حريصة على التكوين والتشكيل المشهدي، ويبقى عالقا في البال مشاهد ليلة الخروج الى القمر، حيث اجواء من الجمال والسحر، والتماهي بين فتيات حالمات، والقمر، والتوظيف الذكي للاضاءة التي كانت تعطي دلالات جمالية ومعرفية، ومثلها الالوان التي اعطت دلالة مرور الزمن، اضافة الى الموسيقى والاغنية التي لم تكن مجرد اكسسوار، انما موظفة بشكل يعمق الاحساس بدواخل الشخصيات ونوازعها، وبالطبع ذلك الاداء المدهش للممثلات، سواء مسحة الحزن على الوجوه، او نبرة الشجن في الصوت، او الخضوع امام جبروت القهر، او الامل الذي يقترب من الملامح في لحظات عالية، فالشخصيات مركبة، تعاني من مؤثرات خارجية، تكسر تلك الاحلام والبراءات الاولى لفتيات في عمر الورد، فكان هذا الاداء الواعي المدروس من الممثلات، وبالطبع لا بد من الاشارة الى اداء الممثلة، فاطمة بن سعيدان، بشخصية المشعوذة بكل ما تحمله الشخصية من مكر وغموض.
فيلم 'ليلة القمرة العمية' برغم انه فيلم قصير، الا انه بهذا التكثيف يحمل رسالة مهمة، وبجماليات السينما، ويفتح الامل على مستقبل افضل.العرب اليوم


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة