الوكيل - صدر هذا العام 2013 كتاب نقدي للكاتب والناقد المغربي إبراهيم الحجري تحت عنوان ‘القصة العربية الجديدة: مقاربة تحليلية’، حيث عمل فيه على تحليل نصوص قصصية مغربية وعربية وتقريبها من القارئ، محاولاً ‘فتح آفاق النقاش على محيط القاص الذي انبثق منه، والأسئلة التي تحايث تفكيره في الشكل والمضمون القصصيين، ما شاب المشهد الثقافي العربي من تحولات على مستوى التلقي والنشر’. (ص. 16).
إن الأدب العربي حافل بالعديد من الأسماء الإبداعية المتميزة في مجال السرد القصصي، والتي تمكنت من ترك بصماتها في جنس القصة القصيرة، وإبداع كل جديد فيها سواء من حيث الشكل أم الموضوع. كل هذا جعل الناقد إبراهيم الحجري يشتغل على مجموعة من النصوص التي كانت بمثابة هدايا من بعض أصدقائه المبدعين أو من خلال اقتنائه لها من سوق الكتب، فاستطاع أن يقرب القارئ/ المتلقي من هذه النصوص بطريقة تسهل عليه فهمها وتأويل موضوعاتها المتعددة وتذوقها فنياً وجمالياً.
1ـ أسئلة الكتابة القصصية المغربية:
يؤكد الناقد في الفصل الأول أن القاص المغربي قد فكر في تطوير استراتيجياته لاستقطاب فضول القارئ واستفزاز أسئلتهم وشغبهم وربط جسور التواصل مع المتلقي وإعادة العلاقة الحميمة فيما بينهما، ومن هذه الاستراتيجيات يذكر الحجري ما يلي:
- خلق إطارات بديلة عن الإطار الوطني العام (اتحاد كتاب المغرب) كرد فعل عن تجاهلهم من طرف القائمين عليه مثل: نادي القصة القصيرة بالمغرب، نادي الكوليزيوم، الرابطة…
- إصدار بيانات جماعية أو فردية تنتقد الوضع أو تهدد بهجوم قيمي أو فني أو حرق أعمال إبداعية (الغاضبون الجدد).
- إصدار أعمال قصصية مشتركة بدافع التغلب على هاجس الطبع. والتوجه إلى المشرق كقبلة للنشر هروباً من فراغ الساحة الوطنية من المنابر التي تفسح للبعض من شُرُفها للإبداع.
- تضمين القصص بعض الإشارات النقدية وإدراجها كفواصل بين أطراف السيرورة السردية. واستفزاز المتلقي بكلام نابٍ، قصد إقحامه في بناء الشكل القصصي.
- ضرب الهيكل التقليدي للقصة القصيرة وابتداع طرق أخرى في الكتابة لا تنبني أساساً على الحكي أو السرد أو التوجه إلى خطابات أخرى لتكريس فناء الحدود وموت الأجناسية. أو المراهنة على اقتناص لقطات وصور مجتمعية من اليومي والتلقائي والمهمش عوض بناء حكاية وحبكة وأحداث.
- تشتيت الخط السردي في شكل مقاطع وشذرات. والابتعاد عن الوصف مقابل الحرص على الكثافة في اللغة والحدث. واستلهام المسكوكات وبث الروح فيها بدل بناء القصة انطلاقاً من الذاكرة والمتخيل والواقع… (ص. 20-22.(
وفي هذا الإطار، يذكر الناقد إبراهيم الحجري تجربة نادي الكوليزيوم القصصي، وإرهاصات ولادته، وخصائصه ومميزاته، والمبدعين الذين أثثوه، ومنهم محمد أمنصور، ومحمد عزيز المصباحي، ومحمد اشويكة، وأنيس الرافعي، ومحمد تنفو… حيث تميز الإبداع القصصي عند هؤلاء المبدعين بالعديد من الرؤى من مثل جعل ‘المعنى يتدفق في النص بشكل متموج ومنقطع كأنما القصص تهجس بنقيض المعنى أو اللامعنى’ (ص. 30(.
ويقدم الناقد إبراهيم الحجري العديد من المبدعين المغاربة، نذكر منهم: عز الدين الماعزي، هشام بن الشاوي، ثم شكيب عبد الحميد وأنيس الرافعي ومحمد عيا الذين عبروا إلى أسفل القاع في كتاباتهم حيث سبحوا دون التفكير في العودة إلى الأعلى. والكاتبة مليكة مستظرف في معاناتها مع المرض الخبيث ومع الموت الذي كان يحوم حولها رحمها الله، وفاتحة الطيب التي حاورت الجسد وحفرت ترسباته النفسية العميقة لدى الرواة والشخوص معاً…
2ـ أشكال التجديد في القصة العربية الجديدة:
يرى الحجري أن القصة القصيرة بالمغرب ‘موجة جارفة من التغيرات والتحولات العارمة، التي بدأت تجتاح مساكنها مع هبوب جيل من القصاصين لا يؤمن بالساكن والثابت في كل شيء، جيل جُبِل على العصف الجارف والتمرد الثائر على كل الأشكال والقوالب، جيل يشبه العاصفة المفاجئة، جيل إعصاري لا يؤمن سوى بالتبدل لأنه يعيش عصره الممهور بالثورات الذهنية والتكنولوجية، جيل لا يعتمد إلا على الذات ليصنع ذاته الممزقة بين ماضٍ ثابت وآتٍ متحول قاهر لا يرحم’ (ص. 69). وفي هذا الصدد يدرج الناقد تجربة كل من أنيس الرافعي ومحمد تنفو وسعيد منتسب وجمال بوطيب ومحمد اشويكة وسعدون عبد الهادي وشكيب عبد الحميد وأحمد شكر…
ويؤكد الحجري أن المنجز القصصي غني يصعب محاصرة بُناه، شكلية كانت أم دلالية، حيث أنها ‘مجرد خلخلة سطحية لقراءة أولى، الغرض منها اقتراح سبل جديرة بالتناول، وهي أول ما يستوقف القارئ، إن مجموعة ‘لا يجب أن تبدوَ كرواية’ مشحونة بشكل كبير من الدوال السيميائية والمقصدية، مما يجعلني أنوه بأهمية تناولها وفق تصور نقدي مخالف، وبناء على تصور واعٍ بالقوالب والأشكال والامتدادات التي حققها التقاطع والانفتاح بين الأجناس والأنواع والأنماط’ (ص. 156).
3ـ النص القصصي الجديد وموضوعاته:
يرى الحجري في الفصل الثالث من الكتاب أن الكتابة التي تراهن على المعطى الذي يعتبر أن السرد جاء عارياً من الأخيلة السمجة مرتدياً واقعية سحرية، تقتحم البال في يسر، وتبلغ المراد بأقرب المسافات. هذه الكتابة لا يعني أنها لا ‘تروج للرداءة والسفالة والاستهتار بالأخلاق، بل إنها تدعو بشكل ساخر إلى تخليص الذات، من عجزها، وتحرير الجسد من كبته، والجهر بما قد نصر على أن نفعله سراً’ (ص. 161). فالقصص من هذه الناحية بقدر ما تفضح وتسخر من الأشكال والقوالب، فهي تهدف إلى تسريد البعد الذاتي الذي ينطلق من الذات الكاتبة في اعتبارها أنثى ثم العبور إلى الآخر بوصفه إنساناً…
وفي هذا الصدد، يذكر الناقد أسماء مبدعين كعبد العزيز الراشدي، ناصر صالح الفيلالي، مصطفى لغتيري، حسنة عدي، فدوى مساط، مليكة نجيب، الحبيب الدايم ربي، أحمد زيادي، عبد الحميد الغرباوي، حسن رياض، محمد الغراس، رجاء الطالبي، رشاد أبو شاور… وغيرهم.
4- التناص والمرجعيات:
يذكر المؤلف عدة وظائف نقدية للتناص يمكن إجمالها فيما يلي:
- إحلال موضوعي محل الذاتية: التناصية شبكة من التباينات، وإعادة استخدام لا محدودة للمواد اللسانية.
- بحث عن المعرفي فيما وراء الشكلانية والبنيوية المتأصلة للنصوص.
- التعرف على المعنى الاستعاري والاستخدام الاستعماري: رمز أيقوني، رمز دلالي، رمز إيديولوجي… إلخ. على أن النص عمل في نصوص سابقة.
- دخول المصطلح مركز الجذب لمصطلحات كثيرة (ص. 273-274).
فالنص يولد مستقلاً بعد مخاض عسير وقد انتظمته طقوس كثيرة مختلفة عبر ‘مراحل معقدة انطلاقاً من تناحرات الوعي واللاوعي داخل الذات الكاتبة وانتهاء بعالم النص مروراً براهنية اللحظة الإبداعية وأسئلة المحيط المتشابكة، إذ لا يمكن أن يأتيَ نص من فراغ’ (ص. 274). ويذكر الحجري في نسف الاتجاه تجارب كل من أحمد بوزفور رائد من رواد القصة العربية الجديدة، ومنى وفيق، ويوسف المحيميد، وفاطمة بوزيان، وأحمد شكر، وعبد الرحيم مؤذ…
ولقد ظهر جيل جديد من القصاصين، يقول إبراهيم الحجري، ‘يحملون رؤى جديدة وأفكاراً مغايرة، جيل مسلح بأساليب مغايرة لما كان سائداً في السابق، وهي تغيرات أفرزها العصر بمتغيراته المتسارعة الانتقال والتحول، حيث انهارت القيم الكبرى المؤسسة للعنصر البشري الذي راح يتقزم يوماً عن يوم في أفق مبتكرات الثورة التكنولوجية الهائلة، وما نجم عنها من قيم جديدة وأدوات همشت دور البشر في تحريك العالم مقابل تنامي دور الآلة، كما أفرزت تحولاً كبيراً على مستوى قيم الاستهلاك والإنتاج تمهيداً لأنماط من العيش الجديد’ (ص. 362).
ويرى الناقد أن التحولات في القص القصيرة التي طالتها على مستوى الشكل والموضوعات، حيث راهنت على الانتقال التجريبي البطيء المرتكز على اللغة والسؤال والتركيبة والتشذير وتشظية الخطاب… فكل هذه التحولات، سواء كانت محتشمة أم متطرفة، شكلية أم جوهرية، عرضية أم كلية، تعتبر صحية ومقبولة ومشروع، خاصة إذا سعت إلى ترسيخ الخصوصية البشرية بقيمها المتحولة، وبأسئلة الإنسان المنبثقة عنه، طموحاً وحاجة وهماً، وإذا ما راعت سمات الفعل الإبداعي ورؤاه ومنظوراته الجمالية والفكرية…
يعتبر كتاب ‘القصة العربية الجديدة’ لإبراهيم الحجري كتاباً متميزاً ومهماً في مجال النقد السردي، بحيث أنه قارب بالتحليل والنقد العشرات من المجاميع القصصية والنصوص السردية العربية متبعاً في ذلك مختلف المناهج الأدبية الحديثة، معتمداً على العديد من المراجع النقدية العربي والغربية التي منحت الكتاب قوة تأثيرية عند المتلقي والأديب معاً.
*كاتب وباحث من المغرب
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو