يقدم أمارتيا سن الحائز على جائزة نوبل وأستاذ الفلسفة والاقتصاد بجامعة هارفارد في كتابه 'الهوية والعنف' مقاربة عميقة لفهم ومواجهة العنف والتطرف وعلاقتهما بالهوية وتشكلاتها، ويقول إنه يمكن أن يتحول وعي معمق منذ النشأة بهوية مشتركة مع جماعة من الناس إلى سلاح قوي يوجه بوحشية ضد جماعة أخرى. والواقع أن كثيرا من النزاعات تتغذى على وهم هوية متفردة لا اختيار فيها. ويمكن أن يهزم الشعور المفرط بالهوية مشاعر التعاطف الفطري، ويدفع إلى العنف والإرهاب. ويمكن أن يكون الشعور بالهوية مصدرا ليس فقط للفخر والبهجة، بل أيضا للقوة والثقة، وليس من المدهش أن فكرة الهوية تلقى مثل هذا الإعجاب المنتشر. وبالطبع فإنه لا يمكن ولا يصلح مواجهة العنف والتطرف بكبح الهويات، لأن الهوية يمكن أن تكون مصدرا للدفء والثراء، كما يمكن أن تكون مصدرا للعنف.
هل الهوية مسألة اختيار أم إدراك للذات؟ يتساءل سن، ويقول: في مقدورنا بناء هوياتنا حول تحسين الحياة والعمل المشترك بدلا من التقسيم والتعصب؛ فإذا كنا جميعا نتألم ونجوع ونتعب ونحب ونكره ونخاف ونقلق ونشعر بالحر والبرد فلماذا نكون مختلفين في طبقاتنا أو أدياننا؟
ويشير إلى عمليات مواجهة التطرف المستمدة من محاولات التقريب والتسامح بناء على قراءة معتدلة للإسلام وبتوظيف رجال الدين المسلمين، ويقول إنها مشكلة أكثر خطورة من التحريض على الإسلام، ففي دعوة المسلمين إلى التسامح لأن الإسلام دين سلام، وأن المسلم الحق متسامح بالضرورة نقحم الإسلام في الصراع بدلا من تجنيبه هذا الصراع، من المؤكد أن رفض فكرة صدامية عن الإسلام والمسلمين فكرة مهمة، لكننا أيضا يجب أن نسأل ما إذا كان ضروريا أو حتى من الممكن استخدام مصطلحات سياسية في تعريف ما يجب أن يكون عليه المسلم الحق، فلا ضرورة لأن تكون ديانة المرء هي كل هويته على وجه الحصر، والإسلام لا يلغي الاختيار المسؤول في كثير من مجالات الحياة، ويمكن أن يتخذ مسلم خيارا صداميا ومسلم آخر يتخذ خيارا متسامحا ويظلان مسلمين.
التركيز على التصنيف الديني الضخم وحده لا يعني فقط أن يفوت علينا الاهتمامات والأفكار الأخرى التي تحرك الناس، بل إن ذلك يؤدي إلى التضخم بشكل عام من صوت السلطة الدينية، وعلى سبيل المثال يعامل رجال الدين المسلمون في هذه الحالة باعتبارهم بحكم منصبهم المتحدث الرسمي لما يسمى بالعالم الإسلامي على رغم أن عددا كبيرا جدا ممن يدينون بالإسلام لديهم خلافات عميقة مع ما يقدمه رجال الدين. لكن يمكن أن يكون الإنسان متسامحا ومعتدلا ويؤمن في الوقت نفسه إيمانا قويا وعميقا بمعتقدات دينية.
إن الإنسان كل إنسان متعدد الهويات، وهذه الهويات ليست ثابتة، كما أن أهميتها لا تكتسب الأهمية نفسها دائما، إذ تزيد هذه الأهمية حسب الأحداث والمناسبات والظروف، فيمكن أن يكون أحدنا مسلما ونباتيا ومشتغلا بحماية البيئة والحفاظ على نوع من الطيور المهددة بالانقراض، ومشاركا في هوايات وألعاب رياضية وثقافية ومشجعا لأحد الأندية العالمية أو الوطنية، ويكون أيضا ينتمي إلى فلسفة ليبرالية او يسارية في الاقتصاد والسياسة والتنمية، وقد يكون متدينا أو غير متدين، وفي تدينه يسلك في خيارات واتجاهات عدة من المذاهب والسلوك والفكر والاعتقاد، وفي الصراعات الدولية والإقليمية يتخذ رؤية ومواقف تبدو متفقة مع خصومه السياسيين أو الدينيين، وفي اهتماماته التخصصية والثقافية يسلك في اتجاهات علمية وثقافية تتفق أو تختلف مع آخرين، وكذا في أسلوب حياته وطعامه ولباسه، .. كيف يمكن تصنيف أو محاسبة مثل هذا الشخص؟، وهذا ليس مثالا نادرا، إذ أن معظم الناس إن لم يكن جميعهم ينطبق عليهم هذا الوصف.
-
أخبار متعلقة
-
أفضل سيارات مازدا في استهلاك البنزين لعام 2018
-
الفاخوري يعلن تبرع بنك الأردن بمليون دينار أردني لصندوق "همة وطن"
-
توفيق فاخوري يدعم صندوق "همة وطن" بمبلغ نصف مليون دينار أردني
-
شاهد لحظة سقوط الطائرة الأوكرانية بعد اشتعالها في الهواء
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر – فيديو وصور
-
مدرسة الموقر ترسم أجمل منظر
-
بـرنامـج الـوكـيـل فـي إجـازة سـنـوية
-
حفرة امتصاصية في جرش .. خطرٌ يُهدد المواطنين و يُضر السياحة | فيديو