الخميس 2024-12-12 12:30 م
 

بيد القطة

08:18 ص

القرد مقلد كبير يعمد إلى محاكاة حركات الإنسان الذي أمامه بحذافيرها؛ فإذا رفعت يدك؛ فسيرفع يده مثلك، وإذا صفعت جداراً؛ فسيصفعه مسبباً ليده ألما مبرحاً، ولهذا إن أردت ذبحه، فما عليك إلا أن تمرر سكيناً على عنقك ذهاباً وإياباً، من جهتها غير الحادة بالطبع، ثم ترمي بها إليه، فسيلقطها بسرعة ويمررها على عنقه، ليكون ضحية تقليده الأعمى.

اضافة اعلان


وليس دائماً ما تكون القرود مقلدة، فقد تغدو في الأزمنة المقلوبة كائنات مجددة، ذات دهاء محنك، خصوصاً إذا تلبستها عقلية انتهازية، فمما يروى أن قرداً أليفاً رأى سيده يرص حبات الكستناء، على صفيح النار ليشويها، وعندما غاب لبعض شوؤنه، حاول القرد بالسطو على الكستناء، لكنه لم يستطع أن يتناول الحبات عن الصفيحة الحامية، فنادى القطة الصغيرة، وقبض على يدها، ساحباً الكستناء بفرح، وهي تموء ألماً.


بعدما بردت الكستناء ملأ القرد بطنه، فيما ظلت القطة تموء بحرقة، حتى جاء رب المنزل، ومنحها ركلة أرض جو أصابت رأس الشارع، معتقداً أنها أكلت كستناءه: فيدها المحروقة دليل لصوصيتها.


لربما سنختلف على أسماء القطة: فهي البسة بمصر، والبسينة في الشام ولبنان، والبزونة في العراق، وربما سنختلف على مسميات الكستناء، هل هي (أبو فروة) كما يسمونها المصريون؟، أم هي شاه بلوط في بلاد فارس، أم هي الكستنة باللاتينية، أو القسطل باليونانية؛ ولكننا سنتفق على أن القرود البشرية هي الأخطر في كل الأزمات.
كثر أولئك الذين يتخذون أياد الآخرين لينالوا مآربهم، ويملأوا بطونهم، التي لا تعرف شبعاً، ما دامت التهمة توجه لغيرهم، وما دامت أياديهم ستبقى سليمة، فلا ضير لو احترق العالم بمن فيه.


بقي أن أنبهكم أن الذين يقطفون الكستناء المشوية بيد القطط، أو بيد غيرهم من البشر، لن تنفع معهم حيلة صفعة الجدار، أو سكين مرهفة تذبحهم من وريد لوريد، فهم أذكى من ذلك بكثير، ولربما أن رمينا إليهم بسكين، فستنالنا طعنة نجلاء.


وإن كنت أتعبتكم مع قرود الكسناء، فسأعوض عن هذا بنصيحة شتائية خالصة لوجه الدفء. فليس أجمل من صوت انفجار حبات بلوط تعلن عن نضجها في جمرات كانون النار أمامك، وحتى لو قالوا لكم، إن البلوط يقسّي الرؤوس ويغلظها، فسيظل كستناءنا اللذيذة، نحن الفقراء إلى رحمة الله فقط.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة