الخميس 2024-12-12 09:27 م
 

تعوووه .. قسقس ..

07:27 ص

لا أعلم إن كان الصديق الأصيل الدكتور حيدر الزبن سيقرأ هذه المقالة؛ لأنني أريد سماعه يضحك من قلبه حين يقرأ مقالاتي في أدب المراعي وأصول التحّ..

اضافة اعلان


تعقيبا على مقالة شبيهة كنت قد كتبتها قبل أشهر، وكان عنوانها «الخله ويت»، قال لي الدكتور حيدر ضاحكا : والله اني مبسوط ان نقرأ في صحافتنا مثل هذه المقالات عن تراثنا، فقلت له بقي مقالتان من هذه السلسة بعنوانين مختلفين «..أحدهما هو عنوان هذه المقالة، التي تريحني نفسيا حين أكتبها، فهي لهجتنا في البوح عن هموم، كانت أكبر مشاكلنا في زمان ولّى، وهي لا يمكن مقارنتها مطلقا بمشاكل وتحديات ولهجات عصر الحداثة والتكنولوجيا والبزنس..


قبل أيام التقيت بأصدقاء «بلدياتنا»، وكلهم لديهم خلفية بالرعاة وأدبهم، وكان الزميل الاعلامي ليث المبيضين يضحك بلا انقطاع، حين يسمعني أتحدث مع المحامي ليث المعايطة حول بعض الطرف الكركية المحلية، باستخدام مصطلحات الرعاة الذين رعوا الغنم ..»وما من نبي الا ورعى الغنم»..وهنا تتجلى الحكمة الإلهية التي تؤكد بأن كثيرا من معاني وأبجديات «السياسة والكياسة» تأتي من أمانة المسؤولية التي يعرفها الرعاة، بينما «التياسة والنجاسة» تأتيان من عدم قيامهما بأمانة المسؤولية كما يجب..ولن أتفلسف كثيرا وسأحدثكم عن الحلقة التالية في وصف طريقة التعامل مع كلاب حراسة قطيع الأغنام والأخرى المتشردة، وأدبيات ومصطلحات الرعاة، التي يستخدمونها لتوجيه القطيع والكلاب والدواب وسائر كائنات الطبيعة التي عرفوها..


رعاتنا كانوا يستطيعون التعامل مع الكلاب أكثر مما يستطيع أن يفعل «سيزار ميلان» الملقب بـ «هامس الكلاب»..


الخله ويت..تستخدم لنهر وزجر الكلاب الأليفة والضالة، أما «تعووووه ..قسقس»، فهي لاستمالة الكلب وطلب وده، وتقريبه، الذي قد يكون تقريبا لربطه من عنقه أو حتى ضربه وزجره، وكثيرا ما كنت أتعتع واقسقس للكلب حتى يصلني ثم أسمطه «شلوتا» لتسمع وصلة من «عويصه» وقهقة الساخرين المراقبين، وجدير بالقول: لا يمكن للكلب الذكر أن يذعن لنداءات «التعتعة والقسقسة» إن كان منخرطا في طابور يتبع بـ»كلبة صارف»، فهو ينسى اسمه، ويريد متابعة الطابور، كي يحظى بدوره من طقوس ومراسيم الزواج الجماعي، بين قطيع من كلاب ذكور وكلبة أنثى واحدة، تغري القطيع «بتعويصها الشبق»، وسيطرتها القاسية وعزمها الذي لا يلين حين «تعصك» على عريس من القطيع..


تعووووه ..كلمة يقولها الراعي على طريقة يعتقد بأن الكلاب تفهمها، كما تقول لأحدهم تعال، لكنهم يقولونها بصوت يشبه نباحا ممتدا تفهمه الكلاب، ويجب أن يتبعها المنادي بكلمة «قسقس»، التي تأتي بصوت موسيقي لمقام مختلف تماما عن صوت وموسيقى كلمة تعووووه، فكلمة تعوه تخرج بموسيقى تشبه الصادرة من آلات النفخ في موسيقى «الجاز» بينما كلمة «قسقس» تأتي كصوت «الصاجات» الصغيرة التي كانت تضعها الراقصة الغجرية في أصابعها حين ترقص وتغني..المهم؛ بعد كلمة «قسقس» يجب أن تختلف هيئة الكلب إن فهم النداء، حيث يصر آذانه، ويرفع «زقمه» قليلا، فتشعر بأن حجم الكلب استطال أفقيا و أصبح بوزه» الذي هو «زقمه»، مغلقا وممتدا الى الأعلى بزاوية قد تبلغ 45درجة مع محور جسده، باستثاء ذنبه «ذيله» الذي يبدأ «يلعب»، أي يهتز لكنه قد يستقيم قليلا، وهذه إشارة يطلقها الكلب بشكل نادر وهي علامة للرضى والاذعان التي قد يفهمها الراعي بأنها وفاء، ولا يمكن رؤيتها سوى في حالة استجابته الصادقة لنداء «التعتعتة والقسقسة»، أما بقية عمر الكلب، فيستدل عليها بما يقوله العرب عن ذنب الكلب، بأنه سيبقى أعوج، و»عمره ما بينعدل».


كثيرون يتساءلون بالسؤال «ليش يعني ذيل الكلب بيظل أعوج وعمره ما بينعدل»، وفي كل مرة لا أجد إجابة واحدة مقنعة سوى القول «طبيعي ..لأنه واحد كلب» ههههههه... ويبقى كلبا مهما احترمته او أطعمته أو نبهته وزجرته، فذنبه أعوج..


صباح أمس الاثنين؛ وأثناء عودتي من «توصيلة المدارس»، ركنت سيارتي على الشارع، وحين ترجلت منها، شاهدت موقفا أضحكني بمرارة، حيث رأيت سيدة مسنة، تقبض بيدها على سلسلة حديدية ثقيلة نسبيا، مربوطة برقبة «جرو بلدي صغير»، إن لم تخني تقديراتي وخبرتي بالكلاب البلدية، فالجرو بلدي متسخ جدا، ولا أعلم لماذا يتعرض الى كل هذه الأغلال والبهدلة برفقة السيدة المسنة، التي أجزم بأنها لم تطأ قدماها يوما مرعى من مراعينا التي نعرف، ولو كانت تتمتع بأدنى خبرة في التعامل مع الكلاب، لاكتفت بالسلسلة وحررت الجرو يبحث عن رزقه ويأكل من «خشاش ونباش الحاويات»، فالمنظر بائس، والجرو «يتشمشم» قيعان الجدران والرصيف، ولا يدرك بأن الشوارع في عمان مقفرة تماما من كل ما تأكله الكلاب وسائر حيوانات القطيع.. قلت للجرو المكبل في أغلال تنتهي بيد سيدة مسنة لا تجيد التعامل مع الكلاب: «تعوووه قسقس»، فنبح الجرو غير مصدق لما يسمع، وفوجئت السيدة، وهي ربما اعتقدت بأنني الهامس «سيزار»، لكنها صدمت صدمة شديدة حين قمت بخلع فردة من «حفايتي» وطرقت بها الأرض أمام الجرو الذي بذل مجهودا كبيرا بدوره من هول الصدمة، فالتعتعة غير حقيقية، والدليل الصوت القمعي الذي صدر عن «فرقعة الحفاية على طرف الرصيف».. كانت المرارة تكمن في ثقل السلسلة على جرو صغير مصدوم يريد الهرب بعيدا عن خطر «تعتعة» خادعة.


تعووووه ..قسقس، نداءات الرعاة لكلاب القطيع وكل الكلاب الأليفة والمتشردة، لكن قلة منها تفهم لغتنا ولهجاتنا، وتهز أذنابها طمعا في عطف او طعام ..وانتظروا «اشششششحه».


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة