الأحد 2024-12-15 03:55 ص
 

حصرم حزيران

01:13 م





مجبرون يا هذا الشهر المتخم بالهزائم والولائم البائتة أن نبقي ماءنا فاتراً في الجرة، فكلما دقَّ الكوز!؛ امتلأت وجوهنا المتجعدة دموعاً، فنجهش بالوجع حتى التقطّع، ونوغل في الألم حدَّ التراق؛ فعلَّ الوجع يحزّ فينا جلداً بات ثخيناً كما ينبغي لجلد تمساح مخضرم، وعلَّ الألم يهزُّ فينا شَعراً بات شوكاً كما ينبغي لشوك القنفذ.اضافة اعلان



سيظلُّ حزيران شهراً كسيحاً، نسوقه أمامنا على كرسي العجلات، ونرعاه كارهين، كزوج في (الحياموت): لا حيُّ فيرجى، ولا ميتٌ فيُنسى. فشهر تلقى على أم رأسه كلَّ هذه الضربات والويلات، كان حريّاً بنا أن نسقطه من رزناماتنا، بصناعة مستقبل أقل ظلاماً، لجيل أسنانه ضرّسها حصرم السنوات العجاف، لكننا كنّا، وما زلنا كبول الجمل: دائماً إلى الوراء!.


فإذا كان حزيران، وهو الشهر التاسع من أشهر السريان، قد حَبِل سفاحاً بكل تلك المسوخ، فإنه لا يأتينا، إلاّ ومخاضه أشد ألماً من آلام منسية فائتة، فلا جذع نخلة نهزه ليساقط علينا موت، ولا قبر نلقي فيه مسوخنا ومكرسحينا؛ فنريح ونستريح.
الخامس من حزيران 1967، سقطت الضفة الغربية، وبعض دم الشهداء ما زال يطلع دحنوناً كل ربيع، في وقت هرب فيه من هرب لابساً ثياب امرأة!، وتخندق فيه من تخندق في تابوت، منتظراً رصاصة رحمة تريح الحياة منه!،السادس من حزيران1982، تجتاح قوات العدو الصهيوني لبنان، وتسقط بيروت، كخنجر آخر في الخاصرة النازفة!.


السابع من حزيران 1981، سرب طائرات للعدو الإسرائيلي، تجتاح حلماً كان سيتبرعم، بأن نمتلك قوةً نووية فاعلة رادعة، لكن هذا السرب يتغلغل في العراق، ويدمر مفاعل تموز ويمسحه عن وجه الأرض؛ لنصحو من نومنا على حصير الواقع الواخز؛ فنندم على كل الفستق الفارغ الذي أكلناه.


وحزيران السنابل الملأى، لكن أصحاب المناجل (البادحة)، والأيادي الملطخة بالفشل ،عادوا بعدما فرح الحصادون بقمحهم، عادوا ليحصدوا (عقيراً)، والشمس في حزيران، ستغدو أقرب على رؤوسنا؛ لتنضج باكراً مشمشنا، وخوخنا، و(خوفنا)، والتين إذ يتقرب إلينا في هذا الشهر، بعطاياه اللذيذة المؤجلة لشهر آب، لكنه يأبى إلا أن يذيقنا الدافور العذب (هي الثمار التجريبية التي تطرحها أشجار التين في حزيران).


وسيبقى حزيران شهر الحصرم، وستظل أسنان الأجيال القادمة تضرس من خطيئة الآباء، ما لم تتوحم الوحّامات على جيل مشرف يأخذ بيد الأمة، التي ما زالت تسوق هزائمها أمامها كزوج كسيح!.


 
gnews

أحدث الأخبار



 




الأكثر مشاهدة